ألبتة لما بعد الموت؛ ولأن الدنيا كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة، وقد نص تعالى على كمال حقارتها عنده في قوله جل وعلا: ﴿وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ﴾ إلى قوله: ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ [٤٣/٣٣-٣٥]، وعلم هؤلاء الكفار نفي الله عنه اسم العلم الحقيقي، وأثبت له أنه علم ظاهر من الحياة الدنيا، وذلك في قوله: ﴿وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ [٣٠/٦-٧]، فحذق الكفار في الصناعات اليدوية كحذق بعض الحيوانات في صناعتها بإلهام الله لها ذلك، فالنحل تبني بيت عسلها على صورة شكل مسدس يحار فيه حذاق المهندسين، ولما أرادوا أن يتعلموا منها كيفية ذلك البناء وجعلوها في أجباح زجاج لينظروا إلى كيفية بنائها أبت أن تعلمهم فطلت الزجاج بالعسل قبل البناء كيلا يروا كيفية بنائها كما اخبرتنا الثقة بذلك.
الوجه الرابع: أنا لو سلمنا تسليماً جدلياً أن ذلك المعنى المزعوم كذبا هو معنى الآية، فإن الله أتبع ذلك بقوله: ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ﴾ الآية [٥٥/٣٥]، فهو يدل على ذلك التقدير على أنهم لو أرادوا النفوذ في أقطارها حرقهم ذلك الشواظ والنحاس والشواظ اللهب الخالص، والنحاس، الدخان، ومنه قول النابغة:
يضيء كضوء سراج السليط | لم يجعل الله فيه نحاسا |
وكذلك ما يزعمه من لا علم عنده بمعنى كتاب الله جل وعلا، من أنه تعالى أشار