ورياض، ويروى أن شجرهم كان دوماً وهو المقل، ومن إطلاق الأيكة على الغيضة قول النابغة:

تجلو بقادمتي حمامة أيكة برداً أسف لثانه بالإثمد
وقال الجوهري في صحاحه: ومن قرأ: ﴿َأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ﴾ فهي الغيضة، ومن قرأ ﴿ليكة﴾ فهي اسم القرية، ويقال هما مثل بكة ومكة، وقال بعض العلماء: الأيكة الشجرة، والأيك هو الشجر الملتف.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ﴾، ﴿الْحِجْرِ﴾ : منازل ثمود بين الحجاز والشام عند وادي القرى، فمعنى الآية الكريمة: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ﴾، وقد بين تعالى تكذيب ثمود لنبيه صالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام في مواضع أُخر؛ كقوله: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ﴾ الآيات [٢٦/١٤١-١٤٢]، وقوله: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا﴾ [٩١/١٤]، وقوله: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ فَقَالُوا أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ﴾ [٥٤/٢٣-٢٤]، وقوله: ﴿فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [٧/٧٧]، إلى غير ذلك من الآيات.
وإنما قال إنهم كذبوا المرسلين مع أن الذي كذبوه هو صالح وحده؛ لأن دعوة جميع الرسل واحدة، وهي تحقيق معنى "لا إله إلا الله"، كما بينه تعالى بأدلة عمومية وخصوصية، قال معمماً لجميعهم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ الآية [٢١/٢٥]، وقال: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [١٦/٣٦]، وقال: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ [٤٣/٤٥]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقال في تخصيص الرسل بأسمائهم: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [٢٣/٢٣]، وقال: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [١١/٥٠]، وقال: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [١١/٨٤]، إلى غير ذلك من الآيات.
فإذا حققت أن دعوة الرسل واحدة عرفت أن من كذب واحداً منهم فقد كذب جميعهم. ولذا صرح تعالى بأن من كفر ببعضهم فهو كافر حقاً، قال: {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ


الصفحة التالية
Icon