أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَوَصَّى بِهَا إبراهيم بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ} [البقرة: ١٣٠-١٣٢].
والأمر الثاني هو سؤاله ربه تعالى لذريته الإيمان والصلاح، كقوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إبراهيم رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ [البقرة: ١٢٤]، أي واجعل من ذريتي أيضا أئمة، وقوله تعالى عنه: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ [إبراهيم: ٤٠]، وقوله عنه: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾ [إبراهيم: ٣٥] وقوله عنه هو وإسماعيل: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ [البقرة: ١٢٨]’ إلى قوله: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾ [البقرة: ١٢٩].
وقد أجاب الله دعاءه في بعث الرسول المذكور ببعثه محمدا صلى الله عليه وسلم.
ولذا جاء في الحديث عنه ﷺ أنه قال: "أنا دعوة إبراهيم".
وقد جعل الله الأنبياء بعد إبراهيم من ذريته، كما قال تعالى في سورة العنكبوت: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾ [العنكبوت: ٢٧]، وقال عنه وعن نوح في سورة الحديد: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإبراهيم وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾ [الحديد: ٢٦].
وعلى القول الثاني، أن الضمير عائد إلى الله تعالى، فلا إشكال.
وقد بين تعالى في آية الزخرف هذه، أن الله لم يجب دعوة إبراهيم في جميع ذريته، ولم يجعل الكلمة باقية في جميع عقبه، لأن كفار مكة الذين كذبوا بنبينا ﷺ من عقبه بإجماع العلماء، وقد كذبوه ﷺ وقالوا إنه ساحر. وكثير منهم مات على ذلك، وذلك في قوله تعالى: ﴿بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ﴾ يعني كفار مكة وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين، هو محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ﴾.
وما دلت عليه آية الزخرف هذه من أن بعض عقب إبراهيم لم يجعل الله الكلمة المذكورة باقية فيهم، دلت عليه آيات أخر من كتاب الله، كقوله تعالى في البقرة: