والسخرية بالقول، والضم بمعنى التسخير والاستبعاد بالفعل. وقال المبرد: إنما يؤخذ التفريق بين المعاني عن العرب، وأما التأويل فلا يكون. والكسر في سخري في المعنيين جميعا؛ لأن الضمة تستثقل في مثل هذا.﴿حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي﴾ أي اشتغلتم بالاستهزاء بهم عن ذكرى. ﴿وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ﴾ استهزاء بهم، وأضاف الإساء إلى المؤمنين لأنهم كانوا سببا لاشتغالهم عن ذكره؛ وتعدي شؤم استهزائهم بالمؤمنين إلى استيلاء الكفر على قلوبهم.﴿إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا﴾ على أذاكم، وصبروا على طاعتي. ﴿أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ قرأ حمزة والكسائي بكسر الهمزة على ابتداء المدح من الله تعالى لهم وفتح الباقون؛ أي لأنهم هم الفائزون. ويجوز نصبه بوقوع الجزاء عليه، تقديره: إني جزيتهم اليوم الفوز بالجنة. قلت: وينظر إلى معنى هذا قوله تعالى في آخر المطففين: ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ﴾ [المطففين: ٣٤] إلى آخر السورة، على ما يأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى. ويستفاد من هذا: التحذير من السخرية والاستهزاء بالضعفاء والمساكين والاحتقار لهم، والإزراء عليهم والاشتغال بهم فيما لا يغني، وأن ذلك مبعد من الله عز وجل.
الآيات: ١١٢ - ١١٤ ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ، قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ، قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
قوله تعالى: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ قيل: يعني في القبور. وقيل: هو سؤال لهم عن مدة حياتهم في الدنيا. وهذا السؤال للمشركين في عرصات القيامة أو في النار. ﴿عَدَدَ سِنِينَ﴾ بفتح النون على أنه جمع مسلم، ومن العرب من يخفضها وينونها. ﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ أنساهم شدة العذاب مدة مكثهم في القبور. وقيل: لأن العذاب رفع عنهم بين النفختين فنسوا ما كانوا فيه من العذاب في قبورهم. قال ابن عباس: أنساهم ما كانوا فيه من العذاب من النفخة الأولى إلى الثانية؛ وذلك أنه ليس من أحد قتله نبي أو قتل نبيا