جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٣٣٤
المسألة الثانية : لقائل أن يقول : هلا قيل :﴿وَجَآءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا ﴾.
وجوابه : هو على تقدير : سائل سأل : ما قالوا إذ جاؤه.
فأجيب بقوله :﴿قَالُوا إِنَّ لَنَا لاجْرًا﴾ أي جعلا على الغلبة.
فإن قيل : قوله :﴿وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ معطوف، وما المعطوف عليه ؟
وجوابه : أنه معطوف على محذوف، سد مسده حرف الإيجاب، كأنه قال إيجاباً لقولهم : إن لنا لأجراً، نعم إن لكم لأجراً، وإنكم لمن المقربين. أراد أني لا أقتصر بكم على الثواب، بل أزيدكم عليه، وتلك الزيادة إني أجعلكم من المقربين عندي. قال المتكلمون : وهذا يدل على أن الثواب إنما يعظم موقعه إذا كان مقروناً بالتعظيم، والدليل عليه أن فرعون لما وعدهم بالأجر قرن به ما يدل على التعظيم، وهو حصول القربة.
المسألة الثالثة : الآية تدل على أن كل الخلق كانوا عالمين بأن فرعون كان عبداً ذليلاً مهيناً عاجزاً، وإلا لما احتاج إلى الاستعانة بالسحرة في دفع موسى عليه السلام، وتدل أيضاً على أن السحرة ما كانوا قادرين على قلب الأعيان، وإلا لما احتاجوا إلى طلب الأجر والمال من فرعون، لأنهم لو قدروا على قلب الأعيان، فلم لم يقبلوا التراب ذهباً، ولم لم ينقلوا ملك فرعون إلى أنفسهم ولم لم يجعلوا أنفسهم ملوك العالم ورؤساء الدنيا، والمقصود من هذه الآيات تنبيه الإنسان لهذه الدقائق، وأن لا يغتر بكلمات أهل الأباطيل والأكاذيب. والله أعلم.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٣٣٤
٣٣٧
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال الفراء والكسائي : في باب "أما. وإما" إذا كنت آمراً أو ناهياً أو مخبراً فهي مفتوحة. وإذا كانت مشترطاً أو شاكاً أو مخيراً فهي مكسورة. تقول في المفتوحة أما الله فاعبدوه. وأما الخمر فلا تشربوها. وأما زيد فقد خرج.
وأما النوع الثاني : فتقول : إذا كنت مشترطاً، إما تعطين زيداً فإنه يشكرك، قال الله تعالى :﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِى الْحَرْبِ فَشَرِّدْ﴾ (الأنفال : ٥٧) وتقول في الشك لا أدري من قام إما زيد وإما عمرو، وتقول في التخيير، لي بالكوفة دار فإما أن أسكنها، وإما أن أبيعها والفرق بين، إما إذا أتت للشك وبين أو، أنك إذا قلت جاءت زيد أو عمرو فقد يجوز أن تكون قد بنيت كلامك على اليقين ثم أدركك الشك فقلت أو عمرو. فصار الشك فيهما جميعاً. فأول الإسمين في "أو" يجوز أن يكون بحيث يحسن السكوت عليه ثم يعرض الشك فتستدرك بالاسم الآخر، ألا ترى أنك تقول : قام أخوك وتسكت، ثم تشك فتقول : أو أبوك، وإذا ذكرت إما فإنما تبني كلامك من أول الأمر على الشك وليس يجوز أن تقول ضربت إما عبد الله وتسكت وأما دخول ﴿ءَانٍ﴾ في قوله :﴿إِمَّآ أَن تُلْقِىَ﴾ وسقوطها من قوله :﴿إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ﴾ (التوبة : ١٠٦) فقال الفراء : أدخل ﴿ءَانٍ﴾ في ﴿أَمَّآ﴾ في هذه الآية لأنها في موضع أمر بالاختيار وهي في موضع نصب، كقول القائل : اختر ذا أو ذا، كأنهم قالوا اختر أن تلقي أو نلقي وقوله :﴿إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ﴾ ليس فيه أمر بالتخيير. ألا ترى أن الأمر لا يصلح ههنا، فلذلك لم يكن فيه "أن" والله أعلم.
المسألة الثانية : قوله :﴿إِمَّآ أَن تُلْقِىَ﴾ يريد عصاه ﴿وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ﴾ أي ما معنا من الحبال والعصي فمفعول الإلقاء محذوف وفي الآية دقيقة أخرى وهي أن القوم راعوا حسن الأدب حيث قدموا موسى عليه السلام في الذكر وقال أهل التصوف إنهم لما راعوا هذا الأدب لا جرم رزقهم الله تعالى الإيمان ببركة رعاية هذا الأدب ثم ذكروا ما يدل على رغبتهم في أن يكون ابتداء الإلقاء من جانبهم وهو قولهم :﴿وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ﴾ لأنهم ذكروا الضمير المتصل وأكدوه بالضمير المنفصل وجعلوا الخبر معرفة لا نكرة.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٣٣٧
واعلم أن القوم لما راعوا الأدب أولاً وأظهروا ما يدل عى رغبتهم في الابتداء بالإلقاء قال موسى عليه السلام : ألقوا ما أنتم ملقون وفيه سؤال : وهو أن إلقاءهم حبالهم وعصيهم معارضة للمعجزة بالسحر وذلك كفر. والأمر بالكفر كفر، وحيث كان كذلك فكيف يجوز لموسى عليه السلام أن يقول ألقوا ؟