ثم قال تعالى :﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ الْمَلِكِ﴾ والمعنى : أنه كان حكم الملك في السارق أن يضرب ويغرم ضعفي ما سرق، فما كان يوسف قادراً على حبس أخيه عند نفسه بناء على دين الملك وحكمه، إلا أنه تعالى كاد له ما جرى على لسان إخوته أن جزاء السارق هو الاسترقاق فقد بينا أن هذا الكلام توسل به إلى أخذ أخيه وحبسه عند نفسه وهو معنى قوله :﴿إِلا أَن يَشَآءَ اللَّه ﴾ ثم قال :﴿نَرْفَعُ دَرَجَـاتٍ مَّن نَّشَآءُ ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ حمزة وعاصم والكسائي ﴿دَرَجَـاتٍ﴾ بالتنوين غير مضاف، والباقون بالإضافة.
المسألة الثانية : المراد من قوله :﴿نَرْفَعُ دَرَجَـاتٍ مَّن نَّشَآءُ ﴾ هو أنه تعالى يريه وجوه الصواب في بلوغ المراد، ويخصه بأنواع العلوم، وأقسام الفضائل، والمراد ههنا هو أنه تعالى رفع درجات يوسف على إخوته في كل شيء.
واعلم أن هذه الآية تدل على أن العلم أشرف المقامات وأعلى الدرجات، لأنه تعالى لما هدى يوسف إلى هذه الحيلة والفكرة مدحه لأجل ذلك فقال :﴿نَرْفَعُ دَرَجَـاتٍ مَّن نَّشَآءُ ﴾ وأيضاً وصف إبراهيم عليه السلام بقوله :﴿نَرْفَعُ دَرَجَـاتٍ مَّن نَّشَآءُ ﴾ (الأنعام : ٨٣) عند إيراده ذكر دلائل التوحيد والبراءة عن / إلهية الشمس والقمر والكواكب ووصف ههنا يوسف أيضاً بقوله :﴿نَرْفَعُ دَرَجَـاتٍ مَّن نَّشَآءُ ﴾ لما هداه إلى هذه الحيلة وكم بين المرتبتين من التفاوت.
ثم قال تعالى :﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ والمعنى أن إخوة يوسف عليه السلام كانوا علماء فضلاء، إلا أن يوسف كان زائداً عليهم في العلم.
واعلم أن المعتزلة احتجوا بهذه الآية على أنه تعالى عالم بذاته لا بالعلم فقالوا : لو كان عالماً بالعلم لكان ذا علم ولو كان كذلك، لحصل فوقه عليم تمسكاً بعموم هذه الآية وهذا باطل.
واعلم أن أصحابنا قالوا دلت سائر الآيات على إثبات العلم لله تعالى وهي قوله :﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَه عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ (لقمان : ٣٤) ﴿أَنزَلَه بِعِلْمِه ﴾ (النساء : ١٦٦) ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِه ﴾ (البقرة : ٢٥٥) ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِه ﴾ (فاطر : ١١) وإذا وقع التعارض فنحن نحمل الآية التي تمسك الخصم بها على واقعة يوسف وإخوته خاصة غاية ما في الباب أنه يوجب تخصيص العموم، إلا أنه لا بد من المصير إليه لأن العالم مشتق من العلم، والمشتق مركب والمشتق منه مفرد، وحصول المركب بدون حصول المفرد محال في بديهة العقل فكان الترجيح من جانبنا.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٤٨٩
ثم قال تعالى :﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ الْمَلِكِ﴾ والمعنى : أنه كان حكم الملك في السارق أن يضرب ويغرم ضعفي ما سرق، فما كان يوسف قادراً على حبس أخيه عند نفسه بناء على دين الملك وحكمه، إلا أنه تعالى كاد له ما جرى على لسان إخوته أن جزاء السارق هو الاسترقاق فقد بينا أن هذا الكلام توسل به إلى أخذ أخيه وحبسه عند نفسه وهو معنى قوله :﴿إِلا أَن يَشَآءَ اللَّه ﴾ ثم قال :﴿نَرْفَعُ دَرَجَـاتٍ مَّن نَّشَآءُ ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ حمزة وعاصم والكسائي ﴿دَرَجَـاتٍ﴾ بالتنوين غير مضاف، والباقون بالإضافة.
المسألة الثانية : المراد من قوله :﴿نَرْفَعُ دَرَجَـاتٍ مَّن نَّشَآءُ ﴾ هو أنه تعالى يريه وجوه الصواب في بلوغ المراد، ويخصه بأنواع العلوم، وأقسام الفضائل، والمراد ههنا هو أنه تعالى رفع درجات يوسف على إخوته في كل شيء.
واعلم أن هذه الآية تدل على أن العلم أشرف المقامات وأعلى الدرجات، لأنه تعالى لما هدى يوسف إلى هذه الحيلة والفكرة مدحه لأجل ذلك فقال :﴿نَرْفَعُ دَرَجَـاتٍ مَّن نَّشَآءُ ﴾ وأيضاً وصف إبراهيم عليه السلام بقوله :﴿نَرْفَعُ دَرَجَـاتٍ مَّن نَّشَآءُ ﴾ (الأنعام : ٨٣) عند إيراده ذكر دلائل التوحيد والبراءة عن / إلهية الشمس والقمر والكواكب ووصف ههنا يوسف أيضاً بقوله :﴿نَرْفَعُ دَرَجَـاتٍ مَّن نَّشَآءُ ﴾ لما هداه إلى هذه الحيلة وكم بين المرتبتين من التفاوت.
ثم قال تعالى :﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ والمعنى أن إخوة يوسف عليه السلام كانوا علماء فضلاء، إلا أن يوسف كان زائداً عليهم في العلم.
واعلم أن المعتزلة احتجوا بهذه الآية على أنه تعالى عالم بذاته لا بالعلم فقالوا : لو كان عالماً بالعلم لكان ذا علم ولو كان كذلك، لحصل فوقه عليم تمسكاً بعموم هذه الآية وهذا باطل.