جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٥٢٠
واعلم أن دلائل التوحيد والعلم والقدرة والحكمة والرحمة لابد وأن تكون من أمور محسوسة، وهي إما الأجرام الفلكية وأما الأجرام العنصرية، أما الأجرام الفلكية : فهي قسمان : إما الأفلاك وإما الكواكب. أما الأفلاك : فقد يستدل بمقاديرها المعينة على وجود الصانع وقد يستدل بكون بعضها فوق البعض أو تحته، وقد يستدل بأحوال حركاتها إما بسبب أن حركاتها مسبوقة بالعدم فلا بد من محرك قادر، وإما بسبب كيفية حركاتها في سرعتها وبطئها، وإما بسبب اختلاف جهات تلك الحركات. وأما الأجرام الكوكبية فتارة يستدل على وجود الصانع بمقاديرها أحيازها وحركاتها، وتارة بألوانها وأضوائها، وتار بتأثيراتها في حصول الأضواء والأظلال والظلمات والنور، وأما الدلائل المأخوذة من الأجرام العنصرية : فإما أن تكون مأخوذة من بسائط، وهي عجائب البر والبحر، وإما من المواليد وهي أقسام : أحدها : الآثار العلوية كالرعد والبرق والسحاب والمطر والثلج والهواء وقوس قزح. وثانيها : المعادن على اختلاف طبائعها وصفاتها وكيفياتها. وثالثها : النبات وخاصية الخشب والورق والثمر واختصاص كل واحد منها بطبع خاص وطعم خاص وخاصية مخصوصة. ورابعها : اختلاف أحوال الحيوانات في أشكالها وطبائعها وأصواتها وخلقتها. وخامسها : تشريح أبدان الناس وتشريح القوى الإنسانية وبيان المنفعة / الحاصلة فيها فهذه مجامع الدلائل. ومن هذا الباب أيضاً قصص الأولين وحكايات الأقدمين وأن الملوك الذين استولوا على الأرض وخربوا البلاد وقهروا العباد ماتوا ولم يبق منهم في الدنيا خبر ولا أثر/ ثم بقي الوزر والعقاب عليهم هذا ضبط أنواع هذه الدلائل والكتاب المحتوي على شرح هذه الدلائل هو شرح جملة العالم الأعلى والعالم الأسفل والعقل البشري لا يفي بالإحاطة به فلهذا السبب ذكره الله تعالى على سبيل الإبهام قال صاحب "الكشاف" قرىء ﴿وَالارْضِ﴾ بالرفع على أنه مبتدأ و﴿يَمُرُّونَ﴾ عليها خبره وقرأ السدي ﴿وَالارْضِ﴾ بالنصب على تقدير أن يفسر قوله :﴿يَمُرُّونَ عَلَيْهَا﴾ بقولنا يطوفونها، وفي مصحف عبدالله ﴿وَالارْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا﴾ برفع الأرض.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٥٢٠
أما قوله :﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلا وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾ فالمعنى : أنهم كانوا مقرين بوجود الإله بدليل قوله :﴿وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه ﴾ (لقمان : ٢٥) إلا أنهم كانوا يثبتون له شريكاً في المعبودية، وعن ابن عباس رضي الله عنهما هم الذين يشبهون الله بخلقه وعنه أيضاً أنه قال : نزلت هذه الآية في تلبية مشركي العرب لأنهم كانوا يقولون : لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، وعنه أيضاً أن أهل مكة قالوا : الله ربنا وحده لا شريك له الملائكة بناته فلم يوحدوا، بل أشركوا، وقال عبدة الأصنام : ربنا الله وحده والأصنام شفعاؤنا عنده، وقالت اليهود : ربنا الله وحده وعزيز ابن الله، وقالت النصارى : ربنا الله وحده لا شريك له والمسيح ابن الله، وقال عبدة الشمس والقمر : ربنا الله وحده وهؤلاء أربابنا، وقال المهاجرون والأنصار ربنا الله وحده ولا شريك معه، واحتجت الكرامية بهذه الآية على أن الإيمان عبارة عن الإقرار باللسان فقط، لأنه تعالى حكم بكونهم مؤمنين مع أنهم مشركون، وذلك يدل على أن الإيمان عبارة عن مجرد الإقرار باللسان، وجوابه معلوم، أما قوله :﴿أَفَأَمِنُوا أَن تَأْتِيَهُمْ غَـاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللَّهِ﴾ أي عقوبة تغشاهم وتنبسط عليهم وتغمرهم ﴿أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾ أي فجأة. وبغتة نصب على الحال يقال : بغتهم الأمر بغتاً وبغتة إذا فاجأهم من حيث لم يتوقعوا وقوله :﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ كالتأكيد لقوله :﴿بَغْتَةً﴾.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٥٢٠
٥٢٠
قال المفسرون : قل يا محمد لهم هذه الدعوة التي أدعو إليها والطريقة التي أنا عليها سبيلي وسنتي ومنهاجي، وسمي الدين سبيلاً لأنه الطريق الذي يؤدي إلى الثواب، ومثله قوله تعالى :﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾ (النحل : ١٢٥).


الصفحة التالية
Icon