المسألة الأولى : أنه يدل على أن أكل الجنة لا تفنى كم يحكى عن جهم وأتباعه.
المسألة الثانية : أنه يدل على أن حركات أهل الجنة لا تنتهي إلى سكون دائم، كما يقوله أبو الهذيل وأتباعه.
المسألة الثالثة : قال القاضي : هذه الآية تدل على أن الجنة لم تخلق بعد، لأنها لو كانت مخلوقة لوجب أن تفنى وأن ينقطع أكلها لقوله تعالى :﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ (الرحمن : ٢٦). و﴿كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَه ﴾ (القصص : ٨٨) لكن لا ينقطع أكلها لقوله تعالى :﴿أُكُلُهَا دَآاـاِمٌ﴾ فوجب أن لا تكون الجنة مخلوقة. ثم قال : فلا ننكر أن يحصل الآن في السموات جنات كثيرة يتمتع بها الملائكة ومن يعد حياً من الأنبياء والشهداء وغيرهم على ما روي في ذلك، إلا أن الذي نذهب إليه أن جنة الخلد خاصة إنما تخلق بعد الإعادة.
والجواب : أن دليلهم مركب من آيتين : أحدهما : قوله :﴿كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَه ﴾ والأخرى قوله :﴿أُكُلُهَا دَآاـاِمٌ وَظِلُّهَا ﴾ فإذا أدخلنا التخصيص في أحد هذين العمومين سقط دليلهم فنحن نخصص أحد هذين العمومين بالدلائل الدالة على أن الجنة مخلوقة، وهو قوله تعالى :﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَـاوَاتُ وَالارْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (آل عمران : ١٣٣).
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٤٧
٤٨
اعلم أن في المراد بالكتاب قولين : الأول : أنه القرآن والمراد أن أهل القرآن يفرحون بما أنزل على محمد من أنواع التوحيد والعدل والنبوة والبعث والأحكام والقصص ومن الأحزاب الجماعات من اليهود والنصارى وسائر الكفار من ينكر بعضه وهو قول الحسن وقتادة.
فإن قيل : الأحزاب ينكرون كل القرآن.
قلنا : الأحزاب لا ينكرون كل ما في القرآن، لأنه ورد فيه إثبات الله تعالى وإثبات علمه وقدرته وحكمته وأقاصيص الأنبياء، والأحزاب ما كانوا ينكرون كل هذه الأشياء.
والقول الثاني : إن المراد بالكتاب التوراة والإنجيل، وعلى هذا التقدير ففي الآية قولان : الأول : قال ابن عباس : الذين آتيناهم الكتاب هم الذين آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلّم من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وكعب وأصحابهما ومن أسلم من النصارى وهم ثمانون رجلاً أربعون بنجران وثمانية باليمن واثنان وثلاثون بأرض الحبشة وفرحوا بالقرآن، لأنهم آمنوا به وصدقوه والأحزاب بقية أهل الكتاب وسائر المشركين قال القاضي : وهذا الوجه أولى من الأول لأنه لا شبهة في أن من أوتي القرآن فإنهم يفرحون بالقرآن، أما إذا حملناه على هذا الوجه ظهرت الفائدة ويمكن أن يقال : إن الذين أوتوا القرآن يزداد فرحهم به لما رأوا فيه من العلوم الكثيرة والفوائد العظيمة، فلهذا السبب حكى الله تعالى فرحهم به. والثاني : والذين آتيناهم الكتاب اليهود أعطوا التوارة، والنصارى أعطوا الإنجيل، يفرحون بما أنزل في هذا القرآن، لأنه مصدق لما معهم ومن الأحزاب من سائر الكفار من ينكر بعضه، وهو قول مجاهد. قال القاضي : وهذا لا يصح، لأن قوله :﴿يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ ﴾ يعم جميع ما أنزل إليه، ومعلوم أنهم لا يفرحون بكل ما أنزل إليه ويمكن أن يجاب فيقال إن قوله :﴿بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ ﴾ لا يفيد العموم بدليل جواز ادخال لفظتي الكل والبعض عليه، ولو كانت كلمة "ما" للعموم لكان إدخال لفظ الكل عليه تكريراً وإدخال لفظ البعض عليه نقصاً. ثم إنه تعالى لما بين هذا جمع كل ما يحتاج المرء إليه في معرفة المبدأ والمعاد في ألفاظ قليلة منه فقال :
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٤٨