اعلم أنه تعالى وصف موسى عليه السلام بأمور : أحدها : أنه كان مخلصاً فإذا قرىء بفتح اللام فهو من الإصطفاء والإختباء كأن الله تعالى اصطفاه واستخلصه وإذا قرىء بالكسر فمعناه أخلص لله في التوحيد في العبادة والإخلاص هو القصد في العبادة إلى أن يعبد المعبود بها وحده، ومتى ورد القرآن بقراءتين فكل واحدة منهما ثابت مقطوع به، فجعل الله تعالى من صفة موسى عليه السلام كلا الأمرين. وثانيها : كونه رسولاً نبياً ولا شك أنهما وصفان مختلفان لكن المعتزلة زعموا كونهما متلازمين فكل رسول نبي وكل نبي رسول ومن الناس من أنكر ذلك وقد بينا الكلام فيه في سورة الحج في قوله تعالى :﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِىٍّ﴾ (الحج : ٥٢). وثالثها : قوله تعالى :﴿وَنَـادَيْنَـاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الايْمَنِ﴾ من اليمين أي من ناحية اليمين والأيمن صفة الطور أو الجانب. ورابعها : قوله :﴿وَقَرَّبْنَـاهُ نَجِيًّا﴾ ولما ذكر كونه رسولاً قال :﴿وَقَرَّبْنَـاهُ نَجِيًّا﴾ وفي قوله : قولان : أحدهما : المراد قرب المكان عن أبي العالية قربه حتى سمع صرير القلم حيث كتبت التوراة في الألواح. والثاني : قرب المنزلة أي رفعنا قدره وشرفناه بالمناجاة، قال القاضي : وهذا أقرب لأن استعمال القرب في الله قد صار بالتعارف لا يراد به إلا المنزلة وعلى هذا الوجه يقال في العبادة تقرب، ويقال في الملائكة عليهم السلام إنهم مقربون وأما ﴿وَقَرَّبْنَـاهُ نَجِيًّا﴾ فقيل فيه أنجيناه من أعدائه وقيل هو من المناجاة في المخاطبة وهو أولى. وخامسها : قوله :﴿وَوَهَبْنَا لَه مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَـارُونَ نَبِيًّا﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان هرون عليه السلام أكبر من موسى عليهما السلام، وإنما وهب الله له نبوته لا شخصه وأخوته وذلك إجابة لدعائه في قوله :﴿وَاجْعَل لِّى وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِى * هَـارُونَ أَخِى * اشْدُدْ بِه أَزْرِى﴾ (طه : ٢٩، ٣٠، ٣١) فأجابه الله تعالى إليه بقوله :﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَـامُوسَى ﴾ (طه : ٣٦) وقوله :﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾.
(القصة الخامسة قصة إسمعيل عليه السلام)
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٥٤٩
٥٥٠


الصفحة التالية
Icon