﴿ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَـن ِ عِتِيًّا﴾ والمراد بالشيعة وهي فعلة كفرقة وفئة الطائفة التي شاعت أي تبعت غاوياً من الغواة قال تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا﴾ (الأنعام : ١٥٩) والمراد أنه تعالى يحضرهم أولا حول جهنم جثياً ثم يميز البعض من البعض فمن كان أشدهم تمرداً في كفره خص بعذاب أعظم لأن عذاب الضال المضل يجب أن يكون فوق عذاب من يضل تبعاً لغيره، وليس عذاب من يتمرد ويتجبر كعذاب المقلد وليس عذاب من يورد الشبه في الباطل كعذاب من يقتدي به مع الغفلة قال تعالى :﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَـاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ﴾ (النحل : ٨٨). وقال :﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾ (العنكبوت : ١٣) فبين تعالى أنه ينزع من كل فرقة من كان أشد عتواً وأشد تمرداً ليعلم أن عذابه أشد، ففائدة هذه التمييز التخصيص بشدة العذاب لا التخصيص بأصل العذاب، فلذلك قال في جميعهم :﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا﴾ ولا يقال أولى إلا مع اشتراك القوم في العذاب، واختلفوا في إعراب أيهم فعن الخليل أنه مرتفع على الحكاية تقديره لننزعن الذين يقال فيهم أيهم أشد وسيبويه على أنه مبني على الضم لسقوط صدر الجملة التي هي صلة حتى لو جيء به لأعرب وقيل أيهم هو أشد.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٥٥٧
٥٦٠
واعلم أنه تعالى لما قال من قبل :﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَـاطِينَ﴾ ثم قال :﴿ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ﴾ (مريم : ٦٨) أردفه بقوله :﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلا وَارِدُهَا ﴾ يعني جهنم واختلفوا فقال بعضهم المراد من تقدم ذكره من الكفار فكنى عنهم أولاً كناية الغيبة ثم خاطب خطاب المشافهة، قالوا : إنه لا يجوز للمؤمنين أن يردوا النار ويدل عليه أمور : أحدها : قوله تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى ا أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ (الأنبياء : ١٠١) والمبعد عنها لا يوصف بأنه واردها. والثاني : قوله :﴿لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ﴾ (الأنبياء : ١٠٢) ولو وردوا جهنم لسمعوا حسيسها. وثالثها : قوله :﴿وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَـاـاِذٍ ءَامِنُونَ﴾ (النحل : ٨٩) وقال الأكثرون : إنه عام في كل مؤمن وكافر لقوله تعالى :﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلا وَارِدُهَا ﴾ فلم يخص. وهذا الخطاب مبتدأ / مخالف للخطاب الأول، ويدل عليه قوله :﴿ثُمَّ نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَوا ﴾ أي من الواردين من اتقى ولا يجوز أن يقال :﴿ثُمَّ نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّـالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ إلا والكل واردون والأخبار المروية دالة على هذا القول، ثم هؤلاء اختلفوا في تفسير الورود فقال بعضهم : الورود الدنو من جهنم وأن يصيروا حولها وهو موضع المحاسبة، واحتجوا على أن الورود قد يراد به القرب بقوله تعالى :﴿فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ﴾ (يوسف : ١٩) ومعلوم أن ذلك الوارد ما دخل الماء وقال تعالى :﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ﴾ (القصص : ٢٣) وأراد به القرب. ويقال : وردت القافلة البلدة وإن لم تدخلها فعلى هذا معنى الآية أن الجن والإنس يحضرون حول جهنم :
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٥٦٠


الصفحة التالية