المسألة الأولى : قوله :﴿فَأَخْرَجْنَا﴾ فيه وجوه. أحدها : أن يكون هذا من تمام كلام موسى عليه السلام كأنه يقول ربي الذي جعل لكم كذا وكذا فأخرجنا نحن معاشر عباده بذلك الماء بالحراثة أزواجاً من نبات شتى. وثانيها : أن عند قوله :﴿وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً﴾ تم كلام موسى عليه السلام ثم بعد ذلك أخبر الله تعالى عن صفة نفسه متصلاً بالكلام الأول بقوله :﴿فَأَخْرَجْنَا بِه ﴾ ثم يدل على هذا الاحتمال قوله :﴿كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَـامَكُمْ ﴾. وثالثها : قال صاحب "الكشاف" انتقل فيه من لفظ الغيبة إلى لفظ المتكلم المطاع للإيذان بأنه سبحانه وتعالى مطاع تنقاد الأشياء المختلفة لأمره ومثله قوله تعالى :﴿وَهُوَ الَّذِى أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِه نَبَاتَ كُلِّ شَىْءٍ﴾ (الأنعام : ٩٩) ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أنَزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِه ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ﴾ (فاطر : ٢٧) ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَنابَتْنَا بِه حَدَآاـاِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ (النمل : ٦٠) واعلم أن قوله :﴿فَأَخْرَجْنَا﴾ إما أن يكون من كلام موسى عليه السلام أو من كلام الله تعالى والأول باطل لأن قوله بعد ذلك :﴿كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَـامَكُم إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لاوْلِى النُّهَى * مِنْهَا خَلَقْنَـاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾ لا يليق بموسى عليه السلام وأيضاً فقوله :﴿فَأَخْرَجْنَا بِه أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى ﴾ لا يليق بموسى لأن أكثر ما في قدرة موسى عليه السلام صرف المياه إلى سقي الأراضي وأما إخراج النبات على اختلاف ألوانها وطبائعها فليس من موسى عليه السلام فثبت أن هذا كلام الله ولا يجوز أن يقال كلام الله ابتداؤه من قوله :﴿فَأَخْرَجْنَا بِه أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى ﴾ لأن الفاء يتعلق بما قبله فلا يجوز جعل هذا كلام الله تعالى وجعل ما قبله كلام موسى عليه السلام فلم يبق إلا أن يقال : إن كلام موسى عليه السلام تم عند قوله :﴿لا يَضِلُّ رَبِّى وَلا يَنسَى﴾ ثم ابتدىء كلام الله تعالى من قوله :﴿الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الارْضَ مَهْدًا﴾ ويكون التقدير هو الذي ﴿جَعَلَ لَكُمُ الارْضَ مَهْدًا﴾ فيكون الذي خبر مبتدأ محذوف ويكون الانتقال من الغيبة إلى الخطاب التفاتاً.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٦٢
المسألة الثانية : ظاهر الآية يدل على أنه سبحانه إنه يخرج النبات من الأرض بواسطة إنزال الماء فيكون للماء فيه أثر وهذا بتقدير ثبوته لا يقدح في شيء من أصول الإسلام لأنه سبحانه وتعالى هو الذي أعطاها هذه الخواص والطبائع لكن المتقدمين من المتكلمين ينكرونه ويقولون لا تأثير له فيه ألبتة.
المسألة الثالثة : قوله تعالى :﴿أَزْوَاجًا﴾ أي أصنافاً سميت بذلك لأنها مزدوجة مقرونة بعضها مع بعض ﴿شَتَّى ﴾ صفة للأزواج جمع شتيت كمريض ومرضى ويجوز أن يكون صفة للنبات والنبات مصدر سمي به النابت كما يسمى بالنبت فاستوى فيه الواحد والجمع يعني أنها شتى مختلفة النفع والطعم والطبع بعضها يصلح للناس وبعضها يصلح للبهائم أما قوله :﴿كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَـامَكُمْ ﴾ فهو حال من الضمير في أخرجنا والمعنى أخرجنا أصناف النبات آذنين في الانتفاع بها مبيحين أن تأكلوا بعضها وتعلفوا بعضها. وقد تضمن قوله كلوا سائر وجوه المنافع فهو كقوله :﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَـاطِلِ﴾ (البقرة : ١٨٨) وقوله :﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَـامَى ظُلْمًا﴾ (النساء : ١٠) وقوله :﴿كُلُوا ﴾ أمر إباحة ﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ﴾ أي فيما ذكرت من هذه النعم ﴿لايَـاتٍ﴾ أي لدلالات لذوي النهى أي العقول والنهية العقل. قال أبو علي الفارسي : النهي يجوز أن يكون مصدراً كالهدى ويجوز أن يكون جمعاً أما قوله :﴿مِنْهَا خَلَقْنَـاكُمْ﴾ فاعلم أنه سبحانه لما ذكر منافع الأرض والسماء بين أنها غير مطلوبة لذاتها بل هي مطلوبة لكونها وسائل إلى منافع الآخرة فقال :﴿مِنْهَا خَلَقْنَـاكُمْ﴾ وفيه سؤالان :