المسألة الثالثة : ذكر المفسرون في يوم الزينة وجوهاً. أحدها : أنه يوم عيد لهم يتزينون فيه. وثانيها : قال مقاتل يوم النيروز. وثالثها : قال سعيد بن جبير يوم سوق لهم. ورابعها : قال ابن عباس يوم عاشوراء، وإنما قال يحشر فإنهم يجتمعون ذلك اليوم بأنفسهم من غير حاشر لهم، وقرىء وأن يحشر الناس بالياء والتاء يريد وأن تحشر الناس يا فرعون وأن يحشر اليوم ويجوز أن يكون فيه ضمير فرعون ذكره بلفظ الغيبة، إما على العادة التي تخاطب بها الملوك أو خاطب القوم بقوله :﴿مَوْعِدُكُمْ﴾ وجعل ضمير يحشر لفرعون وإنما أوعدهم ذلك اليوم ليكون علو كلمة الله تعالى وظهور دينه وكبت الكافر وزهوق الباطل على رؤوس الأشهاد في المجمع العام ليكثر المحدث بذلك الأمر العجيب في كل بدو وحضر ويشيع في جميع أهل الوبر والمدر، قال القاضي : إنه عين اليوم بقوله :﴿يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ ثم عين من اليوم وقتاً معيناً بقوله :﴿وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ وأما قوله :﴿فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَه ثُمَّ أَتَى ﴾ فاعلم أن التولي قد يكون إعراضاً وقد يكون انصرافاً والظاهر ههنا أنه بمعنى الانصراف وهو مفارقته موسى عليه السلام على الموعد الذي تواعدوا للاجتماع (فيه)، قال مقاتل : فتولى أي أعرض وثبت على إعراضه عن الحق ودخل تحت قوله :﴿فَجَمَعَ كَيْدَه ﴾ السحرة وسائر من يجتمع لذلك ويدخل فيه الآلات وسائر ما أوردته السحرة ﴿ثُمَّ أَتَى ﴾ دخل تحت أتى الموضع بالسحرة وبالقوم وبالآلات قال ابن عباس : كانوا اثنين وسبعين ساحراً مع كل واحد منهم حبل وعصا وقيل كانوا أربعمائة وقيل أكثر من ذلك ثم ضربت لفرعون قبة فجلس فيها ينظر إليهم وكان طول القبة سبعين ذراعاً ثم بين تعالى أن موسى عليه السلام قدم قبل كل شيء الوعيد والتحذير مما قالوه وأقدموا عليه فقال :﴿وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ بأن تزعموا بأن الذي جئت به ليس بحق وأنه سحر فيمكنكم معارضتي، قال الزجاج : يجوز في انتصاب ويلكم أن يكون المعنى ألزمهم الله ويلا إن افتروا على الله كذبا ويجوز على النداء كقوله :﴿يَـاوَيْلَتَى ا ءَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَـاذَا﴾ (هود : ٧٢)، ﴿قَالُوا يَـاوَيْلَنَا مَنا بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ﴾ (
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٦٥
يس : ٥٢) وقوله :﴿فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ﴾ أي يعذبكم عذاباً مهلكاً مستأصلاً وقرأ حمزة وعاصم والكسائي برفع الياء من الإسحات والباقون بفتحها من السحت والإسحات لغة أهل نجد وبني تميم والسحت لغة أهل الحجاز فكأنه تعالى قال : من افترى على الله كذباً حصل له أمران : أحدهما : عذاب الاستئصال في الدنيا أو العذاب الشديد في الآخرة وهو المراد من قوله :﴿فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ﴾. والثاني : الخيبة والحرمان عن المقصود وهو المراد بقوله :﴿وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ﴾ ثم بين سبحانه وتعالى أنه لم قال موسى عليه السلام ذلك أعرضوا عن قوله :﴿فَتَنَـازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ﴾ وفي تنازعوا قولان : أحدهما : تفاوضوا وتشاوروا ليستقروا على شيء واحد. والثاني : قال مقاتل : اختلفوا فيما بينهم ثم قال بعضهم : دخل في التنازع فرعون / وقومه ومنهم من يقول : بل هم السحرة وحدهم والكلام محتمل وليس في الظاهر ما يدل على الترجيح وذكروا في قوله :﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى ﴾ وجوهاً. أحدها : أنهم أسروها من فرعون وعلى هذا التقدير فيه وجوه. الأول : قال ابن عباس رضي الله عنهما إن نجواهم قالوا : إن غلبنا موسى اتبعناه. والثاني : قال قتادة إن كان ساحراً فسنغلبه وإن كان من السماء فله أمر. الثالث : قال وهب لما قال :﴿وَيْلَكُمْ﴾ الآية قالوا ما هذا بقول ساحر. القول الثاني : أنهم أسروا النجوى من موسى وفرعون ونجواهم هو قولهم :﴿إِنْ هَـاذَانِ لَسَـاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم﴾ (طه : ٦٣) وهو قول السدي. الوجه الثالث : أنهم أسروا النجوى من موسى وهرون ومن فرعون وقومه أيضاً وكان نجواهم أنهم كيف يجب تدبير أمر الحبال والعصي وعلى أي وجه يجب إظهارها فيكون أوقع في القلوب للعيوب وهو قول الضحاك.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٦٥
٧١
وفي الآية مسائل :