المسألة الأولى : القراءة المشهورة :﴿إِنْ هَـاذَانِ لَسَـاحِرَانِ﴾ ومنهم من ترك هذه القراءة وذكروا وجوهاً أخر. أحدها : قرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر :(إن هذين لساحران) قالوا : هي قراءة عثمان وعائشة وابن الزبير وسعيد بن جبير والحسن رضي الله تعالى عنه واحتج أبو عمرو وعيسى على ذلك بما روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها سئلت عن قوله :﴿إِنْ هَـاذَانِ لَسَـاحِرَانِ﴾ وعن قوله :﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّـابِئُونَ وَالنَّصَـارَى ﴾ (المائدة : ٦٩) في المائدة، وعن قوله :﴿لَّـاكِنِ الرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَا وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَواةَا وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَواةَ﴾ (النساء : ١٦٢) فقالت يا ابن أخي هذا خطأ من الكاتب، وروى عن عثمان أنه نظر في المصحف فقال : أرى فيه لحناً وستقيمه العرب بألسنتها، وعن أبي عمرو أنه قال : إني لأستحي أن أقرأ :﴿إِنْ هَـاذَانِ لَسَـاحِرَانِ﴾، وثانيها : قرأ ابن كثير :(إن هذان) بتخفيف إن وتشديد نون هذان. وثالثها : قرأ حفص عن عاصم إن هذان بتخفيف النونين. ورابعها : قرأ عبد الله بن مسعود :﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى * قَالُوا إِنْ هَـاذَانِ لَسَـاحِرَانِ﴾ بفتح الألف وجزم نونه (و) ساحران بغير لام. وخامسها : عن الأخفش :﴿قَالُوا إِنْ هَـاذَانِ لَسَـاحِرَانِ﴾ خفيفة في معنى ثقيلة وهي لغة قوم يرفعون بها / ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى ما. وسادسها : روى عن أبي بن كعب :(ما هذان إلا ساحران) وروي عنه أيضاً :(إن هذان لساحران) وعن الخليل مثل ذلك، وعن أبي أيضاً :(إن ذان لساحران) فهذه هي القراءات الشاذة المذكورة في هذه الآية، واعلم أن المحققين قالوا : هذه القراءات لا يجوز تصحيحها لأنها منقولة بطريق الآحاد، والقرآن يجب أن يكون منقولاً بالتواتر إذ لو جوزنا إثبات زيادة في القرآن بطريق الآحاد لما أمكننا القطع بأن هذا الذي هو عندنا كل القرآن لأنه لما جاز في هذه القراءات أنها مع كونها مع القرآن ما نقلت بالتواتر جاز في غيرها ذلك، فثبت أن تجويز كون هذه القراءات من القرآن يطرق جواز الزيادة والنقصان والتغيير إلى القرآن وذلك يخرج القرآن عن كونه حجة ولما كان ذلك باطلاً فكذلك ما أدى إليه، وأما الطعن في القراءة المشهورة فهو أسوأ مما تقدم من وجوه : أحدها : أنه لما كان نقل هذه القراءة في الشهرة كنقل جميع القرآن فلو حكمنا ببطلانها جاز مثله في جميع القرآن وذلك يفضي إلى القدح في التواتر وإلى القدح في كل القرآن وأنه باطل، وإذا ثبت ذلك امتنع صيرورته معارضاً بخبر الواحد المنقول عن بعض الصحابة. وثانيها : أن المسلمين أجمعوا على أن ما بين الدفتين كلام الله تعالى وكلام الله تعالى لا يجوز أن يكون لحناً وغلطاً فثبت فساد ما نقل عن عثمان وعائشة رضي الله عنهما أن فيه لحناً وغلطاً. وثالثها : قال ابن الأنباري إن الصحابة هم الأئمة والقدوة فلو وجدوا في المصحف لحناً لما فوضوا إصلاحه إلى غيرهم من بعدهم مع تحذيرهم من الإبتداع وترغيبهم في الاتباع، حتى قال بعضهم : اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم. فثبت أنه لا بد من تصحيح القراءة المشهورة. واختلف النحويون فيه وذكروا وجوهاً : الوجه الأول : وهو الأقوى أن هذه لغة لبعض العرب وقال بعضهم هي لغة بلحارث بن كعب/ والزجاج نسبها إلى كنانة وقطرب نسبها إلى بلحارث بن كعب ومراد وخثعم وبعض بني عذرة، ونسبها ابن جني إلى بعض بني ربيعة أيضاً وأنشد الفراء على هذه اللغة :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٧١
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى
مساغاً لناباه الشجاع لصمما
وأنشد غيره :
تزود منا بين أذناه ضربة
دعته إلى هابي التراب عقيم
قال الفراء وحكى بعض بني أسد أنه قال هذا خط يدا أخي أعرفه. وقال قطرب هؤلاء يقولون : رأيت رجلان واشتريت ثوبان قال رجل من بني ضبة جاهلي :
أعرف منها الجيد والعينانا
ومنخرين أشبها ظبيانا
وقوله ومنخرين على اللغة الفاشية وما وراء ذلك على لغة هؤلاء.
وقال آخر :
طاروا علاهن فطر علاها
واشدد بمثنى حقب حقواها
وقال آخر :
كأن صريف ناباه إذا ما
أمرهما صرير الأخطبان
قال بعضهم : الأخطبان ذكر الصردان، فصيرهما واحداً فبقي الاستدلال بقوله صريف ناباه، قال : وأنشدني يونس لبعض بني الحرث :
كأن يميناً سحبل ومصيفه
مراق دم لن يبرح الدهر ثاويا
وأنشدوا أيضاً :
إن أباها وأبا أباها
قد بلغا في المجد غايتاها
وقال ابن جني روينا عن قطرب :
هناك أن تبكي بشعشعان
رحب الفؤاد طائل اليدان


الصفحة التالية
Icon