المسألة الرابعة : الجسم الحي لا بد وأن يبقى إما حياً أو يصير ميتاً فخلوه عن الوصفين محال، فمعناه في الآية أنه يكون في جهنم بأسوء حال لا يموت موتة مريحة ولا يحيا حياة ممتعة. ثم ذكر حال المؤمنين فقال :﴿وَمَن يَأْتِه مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّـالِحَـاتِ فَ أولئك لَهُمُ الدَّرَجَـاتُ الْعُلَى ﴾ واعلم أن قوله :﴿قَدْ عَمِلَ الصَّـالِحَـاتِ﴾ يقتضي أن يكون آتياً بكل الصالحات. وذلك بالإتفاق غير معتبر ولا ممكن فينبغي أن يحمل ذلك على أداء الواجبات، ثم ذكر أن من أتى بالإيمان والأعمال الصالحات كانت له الدرجات العلى، ثم فسرها فقال :﴿جَنَّـاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ﴾ وفي الآية تنبيه على حصول العفو لأصحاب الكبائر لأنه تعالى جعل الدرجات العلى من الجنة لمن أتى ربه بالإيمان والأعمال الصالحة فسائر الدرجات التي هي غير عالية لا بد وأن تكون لغيرهم. ما هم إلا العصاة من أهل الإيمان، أما قوله :﴿وَذَالِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّى ﴾ فقال ابن عباس : يريد من قال لا إله إلا الله، وأقول لما دلت هذه الآية على أن الدرجات العالية هي جزاء من تزكى أي تطهر عن الذنوب وجب بحكم ذلك الخطاب أن الدرجات التي لا تكون عالية أن لا تكون جزاء من تزكى فهي لغيرهم ممن يكون قد أتى بالمعاصي وعفا الله بفضله ورحمته عنهم، واعلم أنه ليس في القرآن أن فرعون فعل بأولئك القوم المؤمنين ما أوعدهم به ولكن ثبت ذلك في الأخبار.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٨٠
٨٢
واعلم أن في قوله :﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى ا أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى﴾ دلالة على أن موسى عليه السلام في تلك الحالة كثر مستجيبوه. فأراد الله تعالى تمييزهم من طائفة فرعون وخلاصهم فأوحى إليه أن يسري بهم ليلاً، والسري اسم لسير الليل والإسراء مثله، فإن قيل : ما الحكمة في أن يسري بهم ليلاً، قلنا لوجوه : أحدها : أن يكون اجتماعهم لا بمشهد من العدو فلا يمنعهم عن استكمال مرادهم في ذلك. وثانيها : ليكون عائقاً عن طلب فرعون ومتبعيه. وثالثها : ليكون إذا تقارب العسكران لا يرى عسكر موسى عسكر فرعون فلا يهابوهم، أما قوله :﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِى الْبَحْرِ يَبَسًا﴾ ففيه وجهان : الأول : أي فاجعل لهم من قولهم ضرب له في ماله سهماً، وضرب اللبن عمله. والثاني : بين لهم طريقاً في البحر بالضرب بالعصا وهو أن يضرب البحر بالعصا حتى ينفلق، فعدى الضرب إلى الطريق. والحاصل أنه أريد بضرب الطريق جعل الطريق بالضرب يبساً ثم بين تعالى أن جميع أسباب الأمن كان حاصلاً في ذلك الطريق. أحدها : أنه كان يبساً قرىء يابساً ويبساً بفتح الياء وتسكين الباء فمن قال : يابساً جعله بمعنى الطريق ومن قال يبساً بتحريك الباء فاليبس واليابس شيء واحد والمعنى طريقاً أيبس. ومن قال : يبساً بتسكين الباء فهو مخفف عن اليبس، والمراد أنه ما كان فيه وحل ولا نداوة فضلاً عن الماء. وثانيها : قوله :﴿لا تَخَـافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى ﴾ أي لا تخاف أن يدركك فرعون فإني أحول بينك وبينه بالتأخير، قال سيبويه : قوله :﴿تَخَـافُ﴾ رفعه على وجهين : أحدهما : على الحال كقولك غير خائف ولا خاش. والثاني : على الإبتداء أي أنت لا تخاف وهذا قول الفراء، قال الأخفش والزجاج : المعنى لا تخاف فيه كقوله :﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ﴾ (البقرة : ٤٨) أي لا تجزي فيه نفس وقرأ حمزة لا تخف وفيه وجهان. أحدهما : أنه نهي. والثاني : قال أبو علي : جعله جواب الشرط على معنى إن تضرب لا تخف وعلى هذه القراءة ذكروا في قوله :﴿وَلا تَخْشَى ﴾ ثلاثة أوجه. أحدهما : أن يستأنف كأنه قيل وأنت لا تخشى أي ومن شأنك أنك آمن لا تخشى. وثانيها : أن لا تكون الألف هي الألف المنقلبة عن الياء التي هي لام الفعل ولكن زائدة للإطلاق من أجل الفاصلة كقوله تعالى :﴿فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا﴾ (الأحزاب : ٤٨) ﴿وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ﴾ (الأحزاب : ١٠). وثالثها : أن يكون مثل قوله :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٨٢
(وتضحك مني شيخة عبشمية)
كأن لم ترى قبلي أسيراً يمانياً