المسألة السابعة : قرأ الأعمش والكسائي فيحل ومن يحلل كلاهما بالضم وروى الأعمش عن أصحاب عبد الله فيحل بالكسر ومن يحلل بالرفع وقراءة العامة بالكسر في الكلمتين أما من كسر فمعناه الوجوب من حل الدين يحل إذا وجب أداؤه ومنه قوله تعالى :﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّه ﴾ (البقرة : ١٩٦) والمضموم في معنى النزول وقوله :﴿فَقَدْ هَوَى ﴾ أي شقي وقيل فقد وقع في الهاوية، يقال : هوى يهوي هوياً إذا سقط من علو إلى أسفل.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٨٥
المسألة الثامنة : اعلم أن الله تعالى وصف نفسه بكونه غافراً وغفوراً وغفاراً، وبأن له غفراناً ومغفرة وعبر عنه بلفظ الماضي والمستقبل والأمر. أما إنه وصف نفسه بكونه غافراً فقوله :﴿غَافِرِ الذَّنابِ﴾ (غافر : ٣) وأما كونه غفوراً فقوله :﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ (الكهف : ٥٨) وأما كونه غفاراً فقوله :﴿وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ﴾ وأما الغفران فقوله :﴿غُفْرَانَكَ رَبَّنَا﴾ (البقرة : ٢٨٥) وأما المغفرة فقوله :﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ﴾ (الرعد : ٦) وأما صيغة الماضي فقوله : في حق داود عليه السلام ﴿فَغَفَرْنَا لَه ذَالِكَ ﴾ (ص : ٢٥) وأما صيغة المستقبل فقوله :﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِه وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَالِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾ (النساء : ٤٨) وقوله :﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾ (الزمر : ٥٣) وقوله في حق محمد صلى الله عليه وسلّم :﴿لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ﴾ (الفتح : ٢) وأما لفظ الاستغفار فقوله :﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنابِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ ﴾ (محمد : ١٩) وفي حق نوح عليه السلام :﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّه كَانَ غَفَّارًا﴾ (نوح : ١٠) وفي الملائكة :﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الارْضِ ﴾ (الشورى : ٥) واعلم أن الأنبياء عليهم السلام كلهم طلبوا المغفرة أما آدم عليه السلام فقال :﴿وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَـاسِرِينَ﴾ (الأعراف : ٢٣)، وأما نوح عليه السلام فقال :﴿وَإِلا تَغْفِرْ لِى وَتَرْحَمْنِى ﴾ (هود : ٤٧)، وأما إبراهيم عليه السلام فقال :﴿وَالَّذِى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِى ئَتِى يَوْمَ الدِّينِ﴾ (الشعراء : ٨٢) وطلبها لأبيه :﴿سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّى ﴾ (مريم : ٤٧) وأما يوسف عليه السلام فقال في إخوته :﴿لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ (
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٨٥
يوسف : ٩٢) وأما موسى عليه السلام ففي قصة القبطي :﴿رَبِّ اغْفِرْ لِى وَلاخِى﴾ (الأعراف : ١٥١) وأما داود عليه السلام :﴿فَاسْتَغْفَرَ رَبَّه ﴾ (ص : ٢٤) أما سليمان عليه السلام :﴿رَبِّ اغْفِرْ لِى وَهَبْ لِى مُلْكًا﴾ (ص : ٣٥) وأما عيسى عليه السلام :﴿وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (المائدة : ١١٨) وأما محمد صلى الله عليه وسلّم فقول :﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنابِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ ﴾ (محمد : ١٩) وأما الأمة فقوله :﴿وَالَّذِينَ جَآءُو مِنا بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلاخْوَانِنَا﴾ (الحشر : ١٠) واعلم أن بسط الكلام ههنا أن نبين أولاً حقيقة المغفرة ثم نتكلم في كونه تعالى غافراً وغفوراً وغفاراً ثم نتكلم في أن مغفرته عامة ثم نبين أن مغفرته في حق الأنبياء عليهم السلام كيف تعقل مع أنه لا ذنب لهم، ويتفرع على هذه الجملة استدلال أصحابنا في إثبات العفو وتقريره أن الذنب إما أن يكون صغيراً أو كبيراً بعد التوبة أو قبل التوبة والقسمان الأولان يقبح من الله عذابهما ويجب عليه التجاوز عنهما وترك القبيح لا يسمى غفراناً فتعين أن لا يتحقق الغفران إلا في القسم الثالث وهو المطلوب/ فإن قيل : هذا يناقض صريح الآية لأنه أثبت الغفران في حق من استجمع أموراً أربعة : التوبة والإيمان والعمل الصالح والاهتداء، قلنا : إن من تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ثم أذنب بعد ذلك كان تائباً ومؤمناً وآتياً بالعمل الصالح، ومهتدياً ومع ذلك يكون مذنباً فحينئذ يستقيم كلامنا، وههنا نكتة، وهي أن العبد له أسماء ثلاثة : الظالم والظلوم والظلام. فالظالم :﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِه ﴾ (فاطر : ٣٢) والظلوم :﴿إِنَّه كَانَ ظَلُومًا جَهُولا﴾ (الأحزاب : ٧٢) والظلام إذا كثر ذلك منه، ولله في مقابلة كل واحد من هذه الأسماء اسم فكأنه تعالى يقول : إن كنت ظالماً فأنا غافر وإن كنت ظلوماً فأنا غفور، وإن كنت ظلاماً فأنا غفار :﴿وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ﴾ (طه : ٨٢).
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٨٥


الصفحة التالية
Icon