المسألة التاسعة : كثير اختلاف المفسرين في قوله تعالى :﴿ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ وسبب ذلك أن من تاب وآمن وعمل صالحاً فلا بد وأن يكون مهتدياً، فما معنى قوله ثم اهتدى بعد ذكر هذه الأشياء ؟
والوجوه الملخصة فيه ثلاثة. أحدها : المراد منه الاستمرار على تلك الطريقة إذ المهتدي في الحال لا يكفيه ذلك في الفوز بالنجاة حتى يستمر عليه في المستقبل ويموت عليه ويؤكده قوله تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَـامُوا ﴾ (فصلت : ٣٠) وكلمة ثم للتراخي في هذه الآية وليست لتباين المرتبتين بل لتباين الوقتين فكأنه تعالى قال : الإتيان بالتوبة والإيمان والعمل الصالح مما قد يتفق لكل أحد ولا صعوبة في ذلك إنما الصعوبة في المداومة على ذلك والاستمرار عليه. وثانيها : المراد من قوله :﴿ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ أي علم أن ذلك بهداية الله وتوفيقه وبقي مستعيناً بالله في إدامة ذلك من غير تقصير، عن ابن عباس. وثالثها : المراد من الإيمان الاعتقاد المبني على الدليل والعمل الصالح إشارة إلى أعمال الجوارح بقي بعد ذلك ما يتعلق بتطهير القلب من الأخلاق الذميمة وهو المسمى بالطريقة في لسان الصوفية، ثم انكشاف حقائق الأشياء له وهو المسمى بالحقيقة في / لسان الصوفية فهاتان المرتبتان هما المرادتان بقوله :﴿ثُمَّ اهْتَدَى ﴾.
المسألة العاشرة : منهم من قال : تجب التوبة عن الكفر أولاً ثم الإتيان بالإيمان ثانياً واحتج عليه بهذه الآية فإنه تعالى قدم التوبة على الإيمان، واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن العمل الصالح غير داخل في الإيمان لأنه تعالى عطف العمل الصالح على الإيمان والمعطوف مغاير للمعطوف عليه.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٨٥
٨٦
اعلم أن في قوله :﴿وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَـامُوسَى ﴾ دلالة على أنه قد تقدم قومه في المسير إلى المكان ويجب أن يكون المراد ما نبه عليه في قوله تعالى :﴿وَوَاعَدْنَـاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الايْمَنَ﴾ (طه : ٨٠) في هذه السورة، وفي سائر السور كقوله :﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَـاثِينَ لَيْلَةً﴾ (الأعراف : ١٤٢) يريد الميقات عند الطور وعلى الآية سؤالات :
السؤال الأول : قوله :﴿وَمَآ أَعْجَلَكَ﴾ استفهام وهو على الله محال. الجواب أنه إنكار في صيغة الاستفهام ولا امتناع فيه.
السؤال الثاني : أن موسى عليه السلام لا يخلو إما أن يقال إنه كان ممنوعاً عن ذلك التقدم أو لم يكن ممنوعاً عنه، فإن كان ممنوعاً كان ذلك التقدم معصية فيلزم وقوع المعصية من الأنبياء، وإن قلنا إنه ما كان ممنوعاً كان ذلك الإنكار غير جائز من الله تعالى. والجواب : لعله عليه السلام ما وجد نصاً في ذلك إلا أنه باجتهاده تقدم فأخطأ في ذلك الاجتهاد فاستوجب العتاب.
السؤال الثالث : قال :﴿وَعَجِلْتُ﴾ والعجلة مذمومة. والجواب : إنها ممدوحة في الدين. قال تعالى :﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ﴾ (آل عمران : ١٣٣).
السؤال الرابع : قوله :﴿لِتَرْضَى ﴾ يدل على أنه عليه السلام إنما فعل ذلك لتحصيل الرضا لله تعالى وذلك باطل من وجهين. أحدهما : أنه يلزم تجدد صفة الله تعالى، والآخر أنه تعالى قبل حصول ذلك الرضا وجب أن يقال : إنه تعالى ما كان راضياً عن موسى لأن تحصيل الحاصل محال، ولما لم يكن راضياً عنه وجب أن يكون ساخطاً عليه، وذلك لا يليق بحال الأنبياء عليهم السلام. الجواب : المراد تحصيل دوام الرضا كما أن قوله :﴿ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ المراد دوام الاهتداء.
السؤال الخامس : قوله :﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ﴾ يدل على أنه ذهب إلى الميعاد قبل الوقت الذي / عينه الله تعالى له، وإلا لم يكن ذلك تعجيلاً ثم ظن أن مخالفة أمر الله تعالى سبب لتحصيل رضاه وذلك لا يليق بأجهل الناس فضلاً عن كليم الله تعالى. والجواب : ما ذكرنا أن ذلك كان بالاجتهاد وأخطأ فيه.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٨٦
السؤال السادس : قوله :﴿إِلَيْكَ﴾ يقتضي كون الله في الجهة لأن إلى لانتهاء الغاية. الجواب : توافقنا على أن الله تعالى لم يكن في الجبل فالمراد إلى مكان وعدك.


الصفحة التالية
Icon