﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَـاـاهُمْ أَنفُسَهُم أولئك هُمُ الْفَـاسِقُونَ * لا يَسْتَوِى أَصْحَـابُ النَّارِ وَأَصْحَـابُ الْجَنَّةِا أَصْحَـابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَآاـاِزُونَ * لَوْ أَنزَلْنَا هَـاذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَه خَـاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّه ﴾ (الحشر : ٢١) إشارة إلى ذم الكافر حيث لم تحمله الألوهية التي تنبىء عنها لفظة الله وفيها العظمة على خوفه وقال :﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَآبِّ وَالانْعَـامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُه ﴾ (فاطر : ٢٨) لأن ﴿إِنَّمَآ﴾ للحصر فكان فيه إشارة إلى أن الجاهل لا يخشاه فذكر الله ليبين أن عدم خشيته مع قيام المقتضى وعدم المانع وهو الرحمة، وقد ذكرنا ذلك في سورة يس ونزيد ههنا شيئاً آخر، وهو أن نقول لفظة :﴿الرَّحْمَـانَ﴾ إشارة إلى مقتضى لا إلى المانع، وذلك لأن الرحمن معناه واهب الوجود بالخلق، والرحيم واهب البقاء بالرزق وهو في الدنيا رحمان حيث أوجدنا بالرحمة، ورحيم حيث أبقى بالرزق، ولا يقال لغيره رحيم لأن البقاء بالرزق قد يظن أن مثل ذلك يأتي ممن يطعم المضطر، فيقال فلان هو الذي أبقى فلاناً، وهو في الآخرة أيضاً رحمان حيث يوجدنا، ورحيم حيث يرزقنا، وذكرنا ذلك في تفسير الفاتحة حيث قلنا قال :﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـن ِ الرَّحِيمِ﴾ إشارة إلى كونه رحماناً في الدنيا حيث خلقنا، رحيماً في الدنيا حيث رزقنا رحمة ثم قال مرة أخرى بعد قوله :﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَـالَمِينَ * الرَّحْمَـن ِ الرَّحِيمِ﴾ أي هو رحمن مرة أخرى في الآخرة بخلقنا ثانياً، واستدللنا عليه بقوله بعد ذلك :﴿مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ (الفاتحة : ٤) أي يخلقنا ثانياً، ورحيم يرزقنا ويكون هو المالك في ذلك اليوم، إذا علمت هذا فمن يكون منه وجود الإنسان لا يكون خوفه خشية من غيره، فإن القائل يقول لغيره أخاف منك أن تقطع رزقي أو تبدل حياتي، فإذا كان الله تعالى رحماناً منه الوجود ينبغي أن يخشى، فإن من بيده الوجود بيده العدم، وقال صلى الله عليه وسلّم :"خشية الله رأس كل حكمة" وذلك لأن الحكيم إذا تفكر في غير الله وجده محل التغير يجوز عليه العدم في كل طرفة عين، وربما يقدر الله عدمه قبل أن يتمكن من الإضرار، لأن غير الله إن / لم يقدر الله أن يضر لا يقدر على الضرر وإن قدر عليه بتقدير الله فسيزول الضرر بموت المعذب أو المعذب، وأما الله تعالى فلا راد لما أراد ولا آخر لعذابه/ وقال تعالى :
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١٤٩
﴿بِالْغَيْبِ﴾ أي كانت خشيتهم قبل ظهور الأمور حيث ترى رأي العين، وقوله تعالى :﴿وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ﴾ إشارة إلى صفة مدح أخرى، وذلك لأن الخاشي قد يهرب ويترك القرب من المخشي ولا ينتفع، وإذا علم المخشي أنه تحت حكمه تعالى علم أنه لا ينفعه الهرب، فيأتي المخشي وهو (غير) خاش فقال :﴿وَجَآءَ﴾ ولم يذهب كما يذهب الآبق، وقوله تعالى :﴿بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ﴾ الباء فيه يحتمل وجوهاً ذكرناها في قوله تعالى :﴿وَجَآءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ﴾ (ق : ١٩). أحدها : التعدية أي أحضر قلباً سليماً، كما يقال ذهب به إذا أذهبه. ثانيها : المصاحبة يقال : اشترى فلان الفرس بسرجه أي مع سرجه، وجاء فلان بأهله أي مع أهله. ثالثها : وهو أعرفها الباء للسبب يقال : ما أخذ فلان إلا بقول فلان وجاء بالرجاء له فكأنه تعالى قال : جاء وما جاء إلا بسبب إنابة في قلبه علم أنه لا مرجع إلا إلى الله فجاء بسبب قلبه المنيب، والقلب المنيب كالقلب السليم في قوله تعالى :﴿إِذْ جَآءَ رَبَّه بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ (الصافات : ٨٤) أي سليم من الشرك، ومن سلم من الشرك يترك غير الله ويرجع إلى الله فكان منيباً، ومن أناب إلى الله برىء من الشرك فكان سليماً :
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١٤٩
١٥٠
ثم قال تعالى :﴿ادْخُلُوهَا بِسَلَـامٍ ﴾.
فالضمير عائد إلى الجنة التي في ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ﴾ (ق : ٣١) أي لما تكامل حسنها وقربها وقيل لهم إنها منزلكم بقوله :﴿هَـاذَا مَا تُوعَدُونَ﴾ (ق : ٣٢) أذن لهم في دخولها وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الخطاب مع من ؟
نقول : إن قرىء ﴿مَا تُوعَدُونَ﴾ بالتاء فهو ظاهر إذ لا يخفى أن الخطاب مع الموعودين، وإن قرىء بالياء فالخطاب مع المتقين أي يقال للمتقين أدخلوها.