[ فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ] اي لا تطيعاه فيكون سببا لإخراجكما من الجنة فتشقيان، وانما اقتصر على شقائه مراعاة للفواصل، ولاستلزام شقائه لشقائها، قال ابن كثير : المعنى إياك ان تسعى في اخراجك من الجنة، فتتعب وتشقى في طلب رزقك، فإنك ههنا في عيش رغيد، بلا كلفة ولا مشقة
[ إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى ] اي ان لك يا آدم ألا ينالك في الجنة الجوع ولا العري
[ وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ] اي ولك ايضا ألا يصيبك العطش فيها ولا حر الشمس، لأن الجنة دار السرور والحبور، لا تعب فيها ولا نصب، ولا حر ولا ظمأ، بخلاف دار الدنيا
[ فوسوس إليه الشيطان ] اي حدثه خفية بطريق الوسوسة
[ قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ] اى قال له ابليس اللعين : هل أدلك يا آدم على شجرة من أكل منها خلد، ولم يمت أصلا، ونال الملك الدائم الذي لا يزول أبدا ؟ وهذه مكيدة ظاهرها النصيحة، ومتى كان اللعين ناصحا ؟
[ فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما ] اى أكل آدم وحواء من الشجرة التي نهاهما الله عنها فظهرت لهما عوراتهما، قال ابن عباس : عريا عن النور الذى كان الله تعالى قد ألبسهما إياه حتى بدت فروجهما
[ وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ] اي شرعا يأخذان من اوراق الجنة، ويغطيان عوراتهما ليستترا بها
[ وعصى آدم ربه فغوى ] اى خالف آدم أمر ربه، بالأكل من الشجرة، فضل عن المطلوب الذى هو الخلود في الجنة، حيث اغتر بقول العدو، قال ابو السعود : وفي وصفه بالعصيان والغواية - مع صغر زلته - تعظيم لها، وزجر بليغ لأولاده عن أمثالها
[ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ] اي ثم اصطفاه ربه فقربه اليه، وقَبِل توبته وهداه الى الثبات على التوبة، والتمسك بأسباب الطاعة
[ قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو ] اي قال الله لآدم وحواء : انزلا من الجنة الى الارض مجتمعين، بعض ذريتكما لبعض عدو، بسبب الكسب والمعاش، واختلاف الطبائع والرغبات، قال الزمخشري : لما كان آدم وحواء أصلَي البشر جعلا كأنهما البشر في أنفسهما فخوطبا مخاطبتهم
[ فإما يأتينكم مني هدى ] اى فإن جاءكم من جهتي الكتب والرسل لهدايتكم
[ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ] اي فمن تمسك بشريعتي واتبع رسلى، فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، قال ابن عباس : ضمن الله تعالى لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه، ألا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، وتلا الآية
[ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ] اى ومن اعرض عن امري وما انزلته على رسلي من الشرائع والاحكام، فإن له في الدنيا معيشة قاسية شديدة
[ ونحشره يوم القيامة أعمى ] اى ونحشره في الآخرة أعمى البصر، قال ابن كثير : من أعرض عن أمر الله وتناساه، فإن له حياة ضنكا في الدنيا، فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق شديد الضيق لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه في قلق وحيرة وشك، وقيل : يضيق عليه قبره حتى تختلف اضلاعه فيه
[ قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ] اي قال الكافر : يا رب بأى ذنب عاقبتني بالعمى، وقد كنت في الدنيا بصيرا ؟
[ قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ] اى قال الله تعالى له : لقد أتتك آياتنا واضحة جلية، فتعاميت عنها وتركتها، وكذلك تترك اليوم في العذاب جزاء وفاقا
[ وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ] اي ومثل ذلك الجزاء الموافق للخيانة والتكذيب بآيات الله، نعاقب من أسرف بالانهماك في الشهوات، ولم يصدق بكلام ربه وآياته البينات
[ ولعذاب الآخرة أشد وأبقي ] اى عذاب جهنم اشد من عذاب الدنيا، لأن عذابها أدوم وأثبت، لانه لا ينقطع ولا ينقضي