﴿ذَوِى الْقُرْبَى وَالْيَتَـامَى وَالْمَسَـاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ﴾ أما ذوو القربى فالأولى حملها على العموم، وهو : من تقرب إليك بولادة، ولا وجه لقصر ذلك على الرحم المحرم، كما ذهب إليه قوم، لأن الحرمة حكم شرعي، وأما القرابة فهي لفظة لغوية موضوعة للقرابة في النسب، وإن كان من يطلق عليه ذلك يتفاوت في القرب والبعد. وقد رويت أحاديث كثيرة في صلة القرابة، وقد تقدم لنا الكلام على ذوي القربى، واليتامى، والمساكين، في قوله ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَـامَى وَالْمَسَـاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ فاغنى عن اعادته.
و﴿ذَوِى الْقُرْبَى ﴾ وما بعده من المعطوفات هو المفعول الأول على مذهب الجمهور، و﴿الْمَالَ﴾ هو المفعول الثاني.
ولما كان المقصود الأعظم هو ايتاء المال على حبه قدّم المفعول الثاني اعتناء به لهذا المعنى.
وأما على مذهب السهيلي فإن ﴿الْمَالَ﴾ عنده هو المفعول الأول، و﴿ذَوِى الْقُرْبَى ﴾ وما بعده هو المفعول الثاني، فأتى التقديم على أصله عنده. و﴿الْيَتَـامَى ﴾ معطوف على ﴿ذَوِى الْقُرْبَى ﴾ حمله بعضهم على حذف أي ذوي اليتامى، قال : لأنه لا يحسن من المتصدق أن يدفع المال إلى اليتيم الذي لا يميز ولا يعرف وجوه منافعه، ومتى فعل ذلك أخطأ، فإن كان مراهقاً عارفاً بمواقع حقه، والصدقة تؤكل أو تلبس، جاز دفعها إليه، وهذا على قول من خص اليتيم بغير البالغ، وأما من البالغ والصغير عنده ينطلق عليهما يتيم، فيدفع للبالغ ولولِيّ
الصغير. انتهى.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٩٦
ولا يحتاج إلى تقدير هذا المضاف لصدق : آتيت زيداً مالاً، وإن لم يباشر هو الأخذ بنفسه بل بوكيله ﴿وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ الضعف، قاله قتادة، وابن جبير، والضحاك، ومقاتل، والفراء، وابن قتيبة، والزجاج ؛ أو المسافر يمرّ عليك من بلد إلى بلد، قاله. مجاهد، وقتادة أيضاً، والربيع بن أنس.
وسمي ابن السبيل بملازمته السبيل، وهو الطريق، كما قيل لطائر يلازم الماء ابن ماء، ولمن مرت عليه دهور : ابن الليالي والأيام.
وقيل : سمي ابن سبيل لأن السبيل تبرزه شبه ابرازها له بالولادة، فأطلقت عليه البنوّة مجازاً والمنقطع في بلد دون بلده، وبين البلد الذي انقطع فيه وبين بلده مسافة بعيدة، قاله أبو حنيفة، وأحمد، وابن جرير، وأبو سليمان الدمشقي، والقاضي أبو يعلى ؛ أو الذي يريد سفراً ولا يجد نفقة، قاله الماوردي، وغيره عن الشافعي.
والسائلين : هم المستطعمون، وهو الذي تدعوه الضرورة إلى السؤال في سدِّ خلته، إذ لا تباح له المسألة إلاَّ عند ذلك.
ومن جعل إيتاء المال لهؤلاء ليس هو الزكاة، أجاز ايتاءه للمسلم والكافر، وقد ورد في الحديث ما يدل على ذم السؤال ويحمل على غير حال الضرورة.
﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾ : هم المكاتبون يعانون في فك رقابهم، قاله عليّ وابن عباس، والحسن، وابن زيد، والشافعي.
أوعبيد : يشترون ويعتقون، قاله مجاهد، ومالك، وأبو عبيد، وأبو ثور. وروي عن أحمد القولان السابقان.
أو الأسارى يفدون وتفك رقابهم من الأسر ؛ وقيل : هؤلاء الأصناف الثلاثة، وهو الظاهر. فإن كان هذا الإيتاء هو الزكاة فاختلفوا، فقيل : لا يجوز إلاَّ في إعانة المكاتبين، وقيل : يجوز في ذلك، وفيمن يشتريه فيعتقه. وإن كان غير الزكاة فيجوز الأمران، وجاء هذا الترتيب فيمن يؤتي المال تقديماً، أَلاوْلى فأَلاوْلى، لأن الفقير القريب أولى بالصدقة من غيره للجمع فيها بين الصلة والصدقة، ولأن القرابة من أوكد الوجوه في صرف المال إليها، ولذلك يستحق بها الإرث، فلذلك قدّم ثم أتبع باليتامى لأنه منقطع الحيلة من كل الوجوه لصغره، ثم أتبع بالمساكين لأن الحاجة قد تشتد بهم، ثم بابن السبيل لأنه قد تشتد حاجته في الرجوع إلى أهله، ثم بالسائلين وفي الرقاب لأن حاجتهما دون حاجة من تقدّم ذكره.
قال الراغب : اختير هذا الترتيب لما كان أَوْلى من يتفقد الإنسان لمعروفه أقاربه، فكان تقديمه أولى، ثم عقبه باليتامى، والناس في المكاسب ثلاثة : معيل غير معول، ومعول معيل، ومعول غير معيل. واليتيم : معول غير معيل، فمواساته بعد الأقارب أولى. ثم ذكر المساكين الذين لا مال لهم حاضراً ولا غائباً، ثم ذكر ابن السبيل الذي يكون له مال غائب، ثم ذكر السائلين الذين منهم صادق وكاذب، ثم ذكر الرقاب الذين لهم أرباب يعولونهم فكل واحد ممن أخر ذكره أقل فقراً ممن قدم ذكره عليه. انتهى كلامه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٩٦
وأجمع المسلمون على أنه إذا نزل بالمسلمين حاجة وضرورة بعد أداء الزكاة، فإنه يجب صرف المال إليها.
وقال مالك : يجب على الناس فك أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم، واختلفوا في اليتيم : هل يعطى من صدقة التطوع بمجرد اليتم على جهة الصلة وإن كان غنياً ؟ أو لا يعطي حتى يكون فقيراً ؟ قولان لأهل العلم.