وممن ذهب إلى أنها منسوخة. ابن المسيب، والنخعي، والشعبي، وقتادة، والثوري.
وقيل : لا تدل على الحصر، بل تدل على مشروعية القصاص بين المذكورين، ألا ترى أن عموم :﴿وَالانثَى بِالانثَى ﴾ تقتضي قصاص الحرة بالرقيقة فلو كان قوله :﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ﴾ مانعاً من ذلك لتصادم العمومان.
وقوله :﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾ جملة مستقلة بنفسها، وقوله :﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ﴾ ذكر لبعض جزئياتها فلا يمنع ثبوت الحكم في سائر الجزئيات.
وقال مالك : أحسن ما سمعت في هذه الآية أنه يراد به الجنس الذكر والأنثى سواء فيه، وأعيد ذكر الأنثى توكيداً وتهمماً بإذهاب أمر الجاهلية.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٩٦
وروي عن علي والحسن بن أبي الحسن أن الآية نزلت مبينة حكم المذكورين ليدل ذلك على الفرق بينهم وبين أن يقتل حر عبداً أو عبد حراً، وذكرٌ أنثى، أو أنثى ذكراً. وقالا : إنه إذا قتل رجل امرأة فإن أراد أولياؤها قتلوا بها صاحبهم ووفوا أولياءه نصف الدية، وإن أرادوا استحيوه وأخذوا منه دية المرأة. وإذا قتلت المرأة رجلاً فإن أراد أولياؤه قتلوها وأخذوا نصف الدية، وإلاَّ أخذوا دية صاحبهم واستحيوها، وإذا قتل الحر العبد فإن أراد سيد العبد قتل وأعطى دية الحر إلاَّ قيمة العبد، وإن شاء استحيي وأخذ قيمة العبد.
وقد أُنكر هذا عن علي والحسن، والإجماع على قتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل، والجمهور لا يرون الرجوع بشيء، وفرقة ترى الإتباع بفضل الديات، والإجماع على قتل المسلم الحر إذا قتل مسلمٌ حراً بمحدد، وظاهر عموم الحر بالحر أن الوالد يقتل إذا قتل ابنه، وهو قول عثمان البتي،
١٠
قال : إذا قتل ابنه عمداً قتل به.
وقال مالك : إذا قصد إلى قتله مثل أن يضجعه ويذبحه، وغير ذلك من أنواع القتل التي لا شبهة له فيها في ادعاء الخطأ قتل به، وإن قتله يرمي بشيء أو يضرب، ففي مذهب مالك قولان : أحدهما : يقتل، والآخر : لا يقتل.
وقال عامة العلماء : لا يقتل الوالد بولده، وعليه الدية فيما له، قال بذلك : أبو حنيفة، والأوزاعي، والشافعي، وسووا بين الأب والجد، ورُوي ذلك عن عطاء ومجاهد.
وقال الحسن بن صالح : يقُاد الجدّ بابن الابن، وكان يجيز شهادة الجد لابن ابنه، ولا يجيز شهادة الاب لابنه، وظاهر قوله :﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ﴾ قتل الابن بابيه، والظاهر أيضاً قتل الجماعة بالواحد، وصح ذلك عن عمر وعلي، وهو قول أكثر أهل العلم.
وقال أحمد : لا تقتل الجماعة بالواحد، والظاهر أيضاً قتل من يجب عليه القتل لو انفرد إذا شارك من لا يجب عليه القتل كالمخطىء والصبيّ والمجنون والأب عند من يقول لا يقتل بابنه.
وقال أبو حنيفة : لا قصاص على واحد منهما وعلى الأب القاتل نصف الدية في ماله والصبي والمخطىء والمجنون على عاقلته، وهو قول الحسن بن صالح.
وقال الأوزاعي : على عاقلة المشتركين ممن ذكر الدية.
وقال الشافعي : على الصبي القاتل المشارك نصف الدية في ماله، وكذلك دية الحر والعبد إذا قتلاً عبداً، والمسلم والنصراني إذا قتلا نصرانياً، وإن شاركه قاتل خطاً فعلى العامد نصف الدية، وجناية المخطىء على عاقلته.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٩٦
وقال ابن المسيب، وقتادة، والنخعي، والشعبي، والثوري، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد يقتل الحر بالعبد.
وقال مالك، والليث، والشافعي ؛ لا يقتل به، واتفقوا على أن المسلم لا يقتل بالكافر الحربى. وقال أبو حنيفة : يقتل المسلم بالذمي وقال ابن شبرمة، والثوري، والأوزاعي، والشافعي : لا يقتل به. قال مالك والليث : إن قتله غيلة قتل به وإلاَّ لم يقتل به وكلهم اتفقوا على قتل العبد بالحر.
والظاهر من الآية الكريمة مشروعية القصاص في القتلى بأي شيء وقع القتل، من مثقل حجر، أو خشبة، أو عصا، أو شبه ذلك مما يقتل غالباً، وهو مذهب مالك. والشافعي
والجمهور.
وقال أبو حنيفة : لا يقتل إذا قتل بمثقل.
والظاهر من الأئمة عدم تعيين الآلة التي يقتل بها من يستحق القتل وقال : أبو حنيفة، ومحمد، وأبو يوسف، وزفر : لا يقتل إلاَّ بالسيف. وقال ابن الغنيم، عن مالك : إن قتل بحجر، أو عصا، أو نار أو تغريق قبل به، فإن لم يمت بمثله فلا يزال يكرر عليه من جنس ما قتل به حتى يموت، وإن زاد على فعل القاتل.
وروي ابن منصور عن أحمد أنه : يقتل بمثل الذي قتل به، ونقل عن الشافعي : أنه إذا قتل بخشب، أو بخنق قتل بالسيف، وروي عنه أيضاً أنه : إن ضربه بحجر حتى مات فُعل به مثل ذلك، وإن حبسه بلا طعام ولا شراب حتى مات فإن لم يمت في مثل تلك المدة.
وقال ابن شبرمة : يضرب مثل ضربه ولا يضرب أكثر من ذلك وقد كانوا يكرهون المثلة ويقولون : يجزي عن ذلك كله السيف. قال : فإن غمسه في الماء حتى مات، فلا يزال يغمس في الماء حتى يموت.


الصفحة التالية
Icon