وظاهر قوله : بأموالكم، أنه يطلق على ما يسمى مالاً وإن قلَّ وهو قول : أبي سعيد، والحسن، وابن المسيب، وعطاء، والليث، وابن أبي ليلى، والثوري، والحسن بن صالح، والشافعي، وربيعة قالوا : يجوز النكاح على قليل المال وكثيره. وقيل : لا مهر أقل من عشرة دراهم، وروي عن عليّ، والشعبي، والنخعي، في آخرين من التابعين. وهو قول : أبي حنيفة، وأبي يوسف، وزفر، والحسن، ومحمد بن زياد. وقال مالك : أقلّ المهر ربع دينار أو ثلاثة دراهم. وقال أبو بكر الرازي : من كان له درهم أو درهمان لا يقال عنده مال، وظاهر قوله : بأموالكم يدلّ على أنه لا يجوز أن يكون المهر منفعة، لا تعليم قرآن ولا غيره، وقد أجاز أن يكون المهر خدمتها مدة معلومة جماعة من العلماء، ولهم في ذلك تفصيل. وأجاز أن يكون تعليم سورة من القرآن الشافعي، ومنع من ذلك : مالك والليث، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، وحججهم في كتب الفقه وفي كتب أحكام القرآن.
والاحصان : الفقه، وتحصين النفس عن الوقوع في الحرام. وانتصب محصنين على الحال، وغير مسافحين حال مؤكدة، لأن الإحصان لا يجامع السفاح وكذلك قوله :﴿وَلا مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ﴾ والمسافحون هم الزانون المبتذلون، وكذلك المسافحات هن الزواني المبتذلات اللواتي هن سوق للزنا.
٢١٧
ومتخذوا الأخدان هم الزناة المتسترون الذين يصحبون واحدة واحدة، وكذلك متخذات الأخدان هن الزواني المتسترات اللواتي يصحبن واحداً واحداً، ويزنين خفية. وهذان نوعان كانا في زمن الجاهلية قاله : ابن عباس، والشعبي، والضحاك، وغيرهم. وأصل المسافح من السفح، وهو الصب للمني. وكان الفاجر يقول للفاجرة : سافحيني وماذيني من المذي.
﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِا مِنْهُنَّ فَاَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ قال ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وابن زيد، وغيرهم : المعنى فإذا استمتعتم بالزوجة ووقع الوطء، ولو مرة، فقد وجب إعطاء الأجر وهو المهر، ولفظة ما تدل على أن يسيرالوطء يوجب إيتاء الأجرة. وقال الزمخشر : فما استمتعتم به من المنكوحات من جماع أو خلوة صحيحة، أو عقد عليهن، فآتوهن أجورهن عليه انتهى. وأدرج في الاستمتاع الخلوة الصحيحة على مذهب أبي حنيفة، إذ هو مذهبه. وقد فسر ابن عباس وغيره الاستمتاع هنا بالوطء، لأن إيتاء الأجر كاملاً لا يترتب إلا عليه، وذلك على مذهبه ومذهب من يرى ذلك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٢
وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد، والسدي، وغيرهم : الآية في نكاح المتعة. وقرأ أبي، وابن عباس، وابن جبير : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن. وقال ابن عباس لأبي نضرة : هكذا أنزلها الله. وروي عن عليّ أنه قال : لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي. وروي عن ابن عباس : جواز نكاح المتعة مطلقاً. وقيل عنه : بجوازها عند الضرورة، والأصح عنه الرجوع إلى تحريمها. واتفق على تحريمها فقهاء الأمصار. وقال عمران بن حصين : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالمتعة، ومات بعدما أمرنا بها، ولم ينهنا عنه قال رجل بعده برأيه ما شاء. وعلى هذا جماعة من أهل البيت والتابعين. وقد ثبت تحريمها عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم من حديث عليّ وغيره. وقد اختلفوا في ناسخ نكاح المتعة، وفي كيفيته، وفي شروطه، وفيما يترتب عليه من لحاق ولد أو حدّ بما هو مذكور في كتب الفقه، وكتب أحكام القرآن، وما من قوله : فما استمتعتم به منهن، مبتدأ. ويجوز أن تكون شرطية، والخبر الفعل الذي يليها، والجواب : فآتوهن، ولا بد إذ ذاك من راجع يعود على اسم الشرط. فإن كانت ما واقعة على الاستمتاع فالراجع محذوف تقديره : فأتوهن أجورهن من أجله أي : من أجل ما استمتعتم به. وإن كانت ما واقعة على النوع المستمتع به من الأزواج، فالراجع هو المفعول بآتوهن وهو الضمير، ويكون أعاد أولاً في به على لفظ ما، وأعاد على المعنى في : فآتوهن، ومن في : منهن على هذا يحتمل أن يكون تبعيضاً. وقيل : يحتمل أن يكون للبيان. ويجوز أن تكون ما موصولة، وخبرها إذ ذاك هو : فآتوهن، والعائد الضمير المنصب في : فآتوهن إن كانت واقعة على النساء، أو محذوف إن كانت واقعة على الاستمتاع على ما بين قبل.


الصفحة التالية
Icon