والأجور : هي المهور. وهذا نص على أنّ المهر يسمى أجراً، إذ هو مقابل لما يستمتع به. وقد اختلف في المعقود عليه بالنكاح ما هو ؟ أهو بدن المرأة، أو منفعة العضو، أو الكل ؟ وقال القرطبي : الظاهر المجموع، فإن العقد يقتضي كل هذا. وإن كان الاستمتاع هنا المتعة، فالأجر هنا لا يراد به المهر بل العوض كقوله :﴿لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾ وقوله :﴿لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ وظاهر الآية : أنه يجب المسمى في النكاح الفاسد لصدق قوله : فما استمتعتم به منهن عليه جمهور العلماء، على أنه لا يجب فيه إلا مهر المثل، ولا يجب المسمى. والحجة لهم :﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ * مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَآ أَوْ مِثْلِهَآ﴾ وانتصب فريضة على الحال من أجورهن، أو مصدر على غير الصدر. أي : فآتوهن أجورهن إيتاء، لأن الإيتاء مفروض. أو مصدر مؤكد أي : فرض ذلك فريضة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٢
﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِا مِنا بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾ لما أمروا بإيتاء أجور النساء المستمتع بهن، كان ذلك يقتضي الوجوب، فأخبره تعالى أنه لا حرج ولا إثم في نقص ما تراضوا عليه، أو رده، أو تأخره. أعني : الرجال والنساء من بعد الفريضة. فلها إن ترده عليه، وإن تنقص، وإن تؤخر، هذا ما يدل عليه سياق الكلام. وهو نظير ﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِياًا مَّرِياًا﴾ وإلى هذا ذهب الحسن وابن زيد. وقال السدي : هو في المتعة. والمعنى : فيما تراضيتم به من بعد الفريضة زيادة في الأجل، وزيادة في المهر قبل استبراء الرحم. وقال ابن عباس : في رد ما أعطيتموهن إليكم. وقال ابن المعتمر : فيما تراضيتم به من النقصان في الصداق إذا أعسرتم. وقيل : معناه إبراء المرأة عن المهر، أو توفيته، جو توفية الرجل كل المهر إن طلق قبل الدخول. وقيل : فيما تراضيتم به من بعد فرقة، أو إقامة بعد أداء الفريضة، وروي عن ابن عباس وقد استدل على الزيادة في المهر بقوله :﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِا مِنا بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾، قيل : لأن ما عموم في الزيادة والنقصان والتأخير والحظ والإبراء، وعموم اللفظ يقتضي جواز الجميع، وهو بالزيادة أخص منه بغيرها مما ذكرناه، لأن المرأة والحظ والتأجيل لا يحتاج في وقوعه إلى رضا الرجل، والاقتصار على ما ذكر دون الزيادة يسقط فائدة ذكر تراضيهما. وذهب أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد : إلى أن الزيادة في الصداق بعد النكاح جائزة، وهي ثابتة إن دخل بها أو مات عنها. وإن طلقها قبل الدخول بطلت الزيادة. وقال مالك : تصح الزيادة، فإن طلقها قبل الدخول رجع ما زادها إليه، وإن مات عنها قبل أن يقبض فلا شيء لها. وقال الشافعي وزفر : الزيادة بمنزلة هبة مستقبلة إن أقبضها جازت، وإلا بطلت.
﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا﴾ بما يصلح أمر عباده.
﴿حَكِيمًا﴾ في تقديره وتدبيره وتشريعه.
﴿وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَـاتِ الْمُؤْمِنَـاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُم مِّن فَتَيَـاتِكُمُ الْمُؤْمِنَـاتِ﴾ الطول : السعة في المال قاله : ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، والسدي، وابن زيد، ومالك في المدونة. وقال ابن مسعود، وجابر، وعطاء، والشعبي، والنخعي، وربيعة : الطول هنا الجلد والصبر لمن أحب أمة وهو بها حتى صار لا يستطيع أن يتزوج غيرها فله أن يتزوجها، وإن كان يجد سعة في المال لنكاح حرة. والمحصنات هنا الحرائر، يدل على ذلك التقسيم بينهن وبين الإماء. وقالت فرقة : معناه العفائف، وهو ضعيف.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٢
واختلفوا في جواز نكاح الأمة لواجد طول الحرة. وظاهر الآية يدل على أنّ من لم يستطع ما يتزوج به الحرة المؤمنة وخاف العنت، فيجوز له أن يتزوج الأمة المؤمنة، ويكون هذا تخصيصاً العموم قوله :﴿وَأَنكِحُوا الايَـامَى مِنكُمْ وَالصَّـالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَآاِكُمْ﴾ فيكون تخصيصاً في الناكح بشرط أن لا يجد طول الحرة ويخاف العنت، وتخصيصاً في إمائكم بقوله : من فتيانكم المؤمنات، وتخصيص جواز نكاح الإماء بالمؤمنات لغير واجد طول الحرة، هو مذهب أهل الحجاز. فلا يجوز له نكاح الأمة الكتابية، وبه قال : الأوزاعي، والليث، ومالك، والشافعي. وذهب العراقيون أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد والحسن بن زياد والثوري ومن التابعين الحسن ومجاهد إلى جواز ذلك. ونكاح الأمة المؤمنة أفضل، فحملوه على الفضل لا على الوجوب. واستدلوا على أنّ الإيمان ليس بشرط بكونه
٢١٩
وصف به الحرائر في قوله : أن ينكح المحصنات المؤمنات، وليس بشرط فيهن اتفاقاً، لكنه أفضل.


الصفحة التالية
Icon