﴿وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ﴾ الأجور هنا المهور. وفيه دليل على وجوب إيتاء الأمة مهرها لها، وأنها أحق بمهرها من سيدها، وهذا مذهب مالك، قال : ليس للسيد أن يأخذ مهر أمته ويدعها بلا جهاز. وجمهور العلماء : على أنه يجب دفعه للسيد دونها. قيل : الإماء وما في أيديهن مال الموالي، فكان أداؤه إليهن أداء إلى الموالي. وقيل : على حذف مضاف أي : وآتوا مواليهن. وقيل : حذف بإذن أهلهن بعد قوله :﴿وَمَن لَّمْ﴾ لدلالة قوله :﴿فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ﴾ عليه وصار نظيراً ﴿وَالْحَـافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَـافِظَـاتِ﴾ أي فروجهن، ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾ أي الله كثيراً.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٢
وقال بعضهم : أجورهن نفقاتهن. وكون الأجور يراد بها المهور هو الوجه، لأن النفقة تتعلق بالتمكين لا بالعقد. وظاهر قوله : بالمعروف، أنه متعلق بقوله : وآتوهن أجورهن. قيل : ومعناه بغير مطل وضرار، وإخراج إلى اقتضاء ولز. وقيل : معناه بالشرع والسنة أي : المعروف من مهور أمثالهن اللاتي ساوينهن في المال والحسب. وقيل : بالمعروف، متعلق بقوله : فانكحوهن، أي : فانكحوهن بالمعروف بإذن أهلهن، ومهر مثلهن، والإشهاد على ذلك. فإن ذلك هو المعروف في غالب الأنكحة.
﴿مُحْصَنَـاتٍ﴾ أي عفائف، ويحتمل مسلمات.
﴿غَيْرَ مُسَـافِحَـاتٍ﴾ أي غير معلنات بالزنا.
﴿وَلا مُتَّخِذَاتِ﴾ أي : ولا متسترات بالزنا مع أخدانهن. وهذا تقسيم الواقع لأن الزانية إما أن تكون لا ترديد لامس، وإما أن تقتصر على واحد، وعلى هذين النوعين كان زنا الجاهلية. قال ابن عباس : كان قوم يحرمون ما ظهر من الزنا ويستحلون ما خفي منه. والخدن : هو الصديق للمرأة يزني
٢٢٢
بها سراً، فنهى الله تعالى عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن. وانتصاب محصنات على الحال، والظاهر أنّ العامل فيه : وآتوهن، ويجوز على هذا الوجه أن يكون معنى محصنات مزوجات أي : وآتوهن أجورهن في حال تزويجهن، لا في حال سفاح، ولا اتخاذ خدن. قيل : ويجوز أن يكون العامل في محصنات فانكحوهن محصنات أي : عفائف أو مسلمات، غير زوان.
﴿أَخْدَانٍا فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَـاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَـاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ قال الجمهور ومنهم ابن مسعود : الإحصان هنا الإسلام. والمعنى : أن الأمة المسلمة عليها نصف حد الحرة المسلمة. وقد ضعف هذا القول، بأن الصفة لهن بالإيمان قد تقدّمت في قوله :﴿مِّن فَتَيَـاتِكُمُ الْمُؤْمِنَـاتِ﴾ فكيف يقال في المؤمنات : فإذا أسلمن ؟ قاله : إسماعيل القاضي. وقال ابن عطية : ذلك غير لازم، لأنه جائز أن يقطع في الكلام ويزيد، فإذا كنّ على هذه الصفة المتقدمة من الإيمان فإن أتين فعليهن، وذلك سائغ صحيح انتهى. وليس كلامه بظاهر، لأن أسلمن فعل دخلت عليه أداة الشرط، فهو مستقبل مفروض التجدد والحدوث فيما يستقبل، فلا يمكن أن يعبر به عن الإسلام، لأن الإسلام متقدم سابق لهن. ثم إنه شرط جا بعد قوله تعالى :﴿فَانكِحُوهُنَّ﴾ فكأنه قيل : فإذا أحصن بالنكاح، فإن أتين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٢
ومن فسر الإحصان هنا بالإسلام جعله شرطاً في وجوب الحد، فلو زنت الكافر لم تحد، وهذا قول : الشعبي، والزهري، وغيرهما، وقد روي عن الشافعي. وقالت فرقة : هو التزويج، فإذا زنت الأمة المسلمة التي لم تتزوج فلا حد عليها قاله : ابن عباس، والحسن، وابن جبير، وقتادة. وقالت فرقة : هو التزوج. وتحد الأمة المسلمة بالسنة تزوجت أو لم تتزوج، بالحديث الثابت في صحيح البخاري ومسلم، وهو أنه قيل : يا رسول الله، الأمة، إذا زنت ولم تحصن، فأوجب عليها الحد". قال الزهري : فالمتزوجة محدودة بالقرآن، والمسلمة غير المتزوجة محدودة بالحديث. وهذا السؤال من الصحابة يقتضي أنهم فهموا أنّ معنى : فإذا أحصن، تزوجن. وجواب الرسول : يقتضي تقرير ذلك، ولا مفهوم لشرط الإحسان الذي هو التزوج، لأنه وجب عليه الحد بالسنة وإن لم تحصن، وإنما نبه على حالة الإحصان الذي هو التزوج، لئلا يتوهم أنّ حدها إذا تزوجت كخد الحرة إذا أحصنت وهو الرجم، فزال هذا التوهم بالإخبار : أنه ليس عليها إلا نصف الحد الذي يجب على الحرائر اللواتي لم يحصن بالتزويج، وهو الجلد خمسين.


الصفحة التالية
Icon