يريد : أو دين بها. والمعنى : يحفظن الله في أمره حين امتثلته. والأحسن في هذا أن لا يقال أنه حذف الضمير، بل يقال : إنه عاد الضمير عليهن مفرداً، كأنه لوحظ الجنس، وكأن الصالحات في معنى من صلح، وهذا كله توجيه شذوذ أدّى إليه قول من قال في هذه القراءة : إنّ ما مصدرية. ولا حاجة إلى هذا القول، بل ينزه القرآن عنه. وفي قراءة عبد الله ومصحفه : فالصوالح قوانت حوافظ للغيب بما حفظ الله، فأصلحوا إليهن. وينبغي حملها على التفسير لأنها مخالفة لسواد الإمام، وفيها زيادة. وقد صح عنه بالنقل الذي لا شك فيه أنه قرأ : وأقرأ على رسم السواد، فلذلك ينبغي أن تحمل هذه القراءة على التفسير. قال ابن جني : والتكسير أشبه بالمعنى، إذ هو يعطي الكثرة وهي المقصودة هنا. ومعنى قوله : فأصلحوا إليهن أي أحسنوا ضمن أصلحوا معنى أحسنوا، ولذلك عداه بإلى. روى في الحديث :"يستغفر للمرأة المطيعة لزوجها الطير في
٢٤٠
الهواء، والحيتان في البحر، والملائكة في السماء، والسباع في البراري". قالت أم سلمة : قلت : يا رسول الله نساء الدنيا أفضل أم الحور ؟ فقال : نساء الدنيا أفضل من الحور. قلت : يا رسول الله بم ؟ قال : بصلاتهن، وصيامهن، وعبادتهن، وطاعة أزواجهن.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٩
﴿وَالَّـاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ لما ذكر تعال صالحات الأزواج وأنهن من المطيعات الحافظات للغيب، ذكر مقابلهن وهن العاصيات للأزواج. والخوف هنا قيل : معناه اليقين، ذهب في ذلك إلى أنّ الأوامر التي بعد ذلك إنما يوجبها وقوع النشوز لا توقعه، واحتج في جواز وقوع الخوف موقع اليقين بقول أبي محجن الثقفي رضي الله عنه :
ولا تدفنني بالفلاة فإننيأخاف إذا ما مت أن لا أذوقها
وقيل الخوف علي بابه من بعض الظن. قال :
أتاني كلام من نصيب بقولهوما خفت ياسلام أنك عاتبي
أي : وما ظننت. وفي الحديث :"أمرت بالسواك حتى خفت لأدردن" وقيل : الخوف على بابه من ضد الأمن، فالمعنى : يحذرون ويتوقعون، لأن الوعظ وما بعده إنما هو في دوام ما ظهر من مبادىء ما يتخوف. والنشوز : أن تتعوج المرأة ويرتفع خلقها وتستعلي على زوجها، ويقال : نسور بالسين والراء المهملتين، ويقال : نصور، ويقال : نشوص. وامرأة ناشر وناشص. قال الأعشي :
تجللها شيخ عشاء فأصبحتمضاعية تأتي الكواهن ناشصا
قال ابن عباس : نشوزهنّ عصيانهنّ. وقال عطاء : نشوزها أن لا تتعطر، وتمنعه من نفسه، وتتغير عن أشياء كانت تتصنع للزوج بها. وقال أبو منصور : نشوزها كراهيتها للزوج. وقيل : امتناعها من المقام معه في بيته، وإقامتها في مكان لا يريد الإقامة فيه. وقيل : منعها نفسها من الاستمتاع بها إذا طلبها لذلك. وهذه الأقوال كلها متقاربة.
ووعظهن : تذكيرهن أمر الله بطاعة الزوج، وتعريفهن أنّ الله أباح ضربهن عند عصيانهن، وعقاب الله لهن على العصيان قاله : ابن عباس. وقال مجاهد : يقول لها : اتقي الله، وارجعي إلى فراشك. وقيل : يقول لها أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال :"لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" وقال :"لا تمنعه نفسها ولو كانت على قتب". وقال :"أيما امرأة باتت هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح" وزاد آخرون أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال :"ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق وامرأة بات عليها زوجها ساخطاً وإمام قوم هم له كارهون".
وهجرهن في المضاجع : تركهن لكراهة في المراقد. والمضجع المكان الذي يضطجع فيه على جنب. وأصل الاضطجاع الاستلقاء، يقال : ضجيع ضجوعاً واضطجع استلقى للنوم، وأضجعته أملته إلى الأرض، وكل شيء أملته من إناء وغيره فقد أضجعته. قال ابن عباس وابن جبير : معناه لا تجامعوهن. وقال الضحاك والسدي : اتركوا كلامهن، وولوهن ظهوركم في الفراش. وقال مجاهد : فارقوهن في الفرش، أي ناموا ناحية في فرش غير فرشهن. وقال عكرمة والحسن : قولوا لهن في المضاجع هجراً، أي كلاماً غليظاً. وقيل : اهجروهن في الكلام ثلاثة أيام فما دونها. وكنى بالمضاجع عن البيوت، لأن كل مكان يصلح أن يكون محلاً للاضطجاع. وقال النخعي، والشعبي، وقتادة، والحسن : من الهجران، وهو البعد وقيل : اهجروهن بترك الجماع والاجتماع، وإظهار التجهم، والإعراض عنهن مدة نهايتها شهراً كما فعل عليه السلام "حين حلف أن لا يدخل على نسائه شهراً" وقيل : اربطوهن بالهجار، وأكرهوهن على الجماع من قولهم : هجر البعير إذا شده بالهجار، وهو حبل يشدّ به البعير قاله : الطبري ورجحه. وقدح
٢٤١
في سائر الأقوال. وقال الزمخشري في قول الطبري : وهذا من تفسير الثقلاء انتهى. وقيل في للسبب : أي اهجروهن بسبب تخلفهن عن الفرش. وقرأ عبد الله والنخعي : في المضجع على الأفراد وفيه معنى الجمع، لأنه اسم جنس.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٩