وقرأ الجمهور : حسنة بالنصب، فتكون ناقصة، واسمها مستتر فيها عائد على مثقال. وأنث الفعل لعوده على مضاف إلى مؤنث، أو على مراعاة المعنى، لأن مثقال معناه زنة أي : وإن تك زنة ذرّة. وقرأ الحسن والحرميان : حسنة بالرفع على أن تك تامة، التقدير : وإن تقع أو توجد حسنة. وقرأ الإبنان : يضعفها مشدّدة من غير ألف. قال أبو علي : المعنى فيهما واحد، وهما لغتان. ويدل على هذا قراءة من قرأ ﴿يُضَـاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾ و﴿فَيُضَـاعِفَه لَهُا أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾. وقال أبو عبيدة في كتاب المجاز والطبري : ضاعف يقتضي مراراً كثيرة، وضعف يقتضي مرتين، وكلام العرب يقتضي عكس هذا. لأنّ المضاعفة تقتضي زيادة المثل، فإذا شدّدت اقتضت البنية التكثير فوق مرتين إلى أقصى ما يزيد من العدد، وقد تقدم لنا الكلام في هذا. وقال الزمخشري : يضاعف ثوابها لاستحقاقها ضده الثواب في كل وقت
٢٥١
من الأوقات المستقبلة غير المتناهية. وورد تضعيف الحسنة لعشر أمثالها في كتاب الله، وتضعيف النفقة إلى سبعمائة، ووردت أحاديث التضعيف ألفاً وألف ألف، ولا تضاد في ذلك، إذ المراد الكثرة لا التحديد. وإن أريد التحديد فلا تضاد أيضاً، لأن الموعود بذلك جميع المؤمنين، ويختلف باختلاف الأعمال. وظاهر قوله : إن الله لا يظلم مثقال ذرة الآية أنها عامة في كل أحد، وتخصيص ذلك بالمهاجرين غير ظاهر من لدنه أي : من عنده على سبيل التفضل. قال الزمخشري : سماه أجراً لأنه تابع للأجر لا يثبت إلا بثباته. انتهى قال ابن مسعود وابن جبير وابن زيد الأجر : هنا الجنة. وقيل : لا حد له ولا عد.
﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةا بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ هو نبيهم يشهد عليهم بما فعلوا كما قال تعالى :﴿وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ﴾ والأمة هنا من بعث إليهم النبي من مؤمن به وكافر. لمّا أعلم تعالى بعدله وإيتاء فضله أتبع ذلك بأن نبه على الحالة التي يحضرونها للجزاء ويشهد عليهم فيها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٠
وكيف في موضع رفع إن كان المحذوف مبتدأ التقدير : فكيف حال هؤلاء السابق ذكرهم، أو كيف صنعهم. وهذا المبتدأ هو العامل في إذا، أو في موضع نصب إن كان المحذوف فعلاً أي : فكيف يصنعون، أو كيف يكونون. والفعل أيضاً هو العامل في إذا. ونقل ابن عطية عن مكيّ : أن العامل في كيف جئنا. قال : وهو خطأ، والاستفهام هنا للتوبيخ، والتقريع، والإشارة بهؤلاء إلى أمة الرسول. وقال مقاتل : إلى الكفار. وقيل : إلى اليهود والنصارى. وقيل : إلى كفار قريش. وقيل : إلى المكذبين وشهادته بالتبليغ لأمته قاله : ابن مسعود، وابن جريج، والسدي، ومقاتل. أو بإيمانهم قاله أبو العالية، أو بأعمالهم قاله : مجاهد وقتادة. والظاهر أن الشهادة تكون على المشهود عليهم. وقيل : على بمعنى اللام، أي : وجئنا بك لهؤلاء، وهذا فيه بعد. وقال الزجاجي : يشهد لهم وعليهم، وحذف المشهود عليهم في قوله : إذا جئنا من كل أمة بشهيد لجريان ذكره في الجار والمجرور فاختصر، والتقدير : من كل أمة بشهيد على أمته. وظاهر المقابلة يقتضي أن تكون الشهادة عليهم لا لهم، ولا يكون عليهم إلا والمشهود عليهم كانوا منكرين مكذبين بما شهد عليهم به. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم : كان إذا قرأ هذه الآية فاضت عيناه، وكذلك حين قرأ عليه ابن مسعود ذرفت عيناه وبكاؤه ـ والله أعلم ـ هو إشفاق على أمته ورحمة لهم من هول ذلك اليوم. وظاهر قوله : وجئنا بك، أنه معطوف على قوله : جئنا من كل أمة. وقيل : حال على تقدير قد أي وقد جئنا.
﴿يَوْمَـاِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الارْضُ﴾ التنوين في يومئذ هو تنوين العوض، حذفت الجملة السابقة وعوض منها هذا التنوين، والتقدير : يوم إذ جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً يودّ الذين كفروا وعصوا الرسول أي : كفروا بالله وعصوا رسوله. والرسول : هنا اسم جنس، ويحتمل أن يكون التنوين عوضاً من الجملة الأخيرة، ويكون الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم. وأبرز ظاهراً، ولم يأت وعصوك لما في ذكر الرسول من الشرف والتنويه بالرسالة التي هي أشرف ما تحملها الإنسان من الله تعالى، إذ هي سبب السعادة الدنيوية والأخروية، والعامل في : يوم يودّ. ومعنى يودّ : يتمنى. وظاهر وعصوا أنه معطوف على كفروا. وقيل : هو على إضمار موصول آخر أي : والدين عصوا فهما فرقتان. وقيل : الواو واو الحال أي : كفروا وقد عصوا الرسول. وقال الحوفي : يجوز أن يكون يوم مبنياً مع إذ، لأنّ الظرف إذا
٢٥٢
أضيف إلى غير متمكن جاز بناؤه معه. وإذ في هذا الموضع اسم ليست بظرف، لأن الظروف إذا أضيف إليها خرجت إلى معنى الاسمية من أجل تخصيص المضاف إليها، كما تخصص الأسماء، ومع استحقاقها الجرّ، والجرّ ليس من علامات الظروف انتهى، وهو كلام جيد.