وقال الضحاك : قائم لم يخسف، وحصيد قد خسف. وقال ابن إسحاق : قائم لم يهلك بعد، وحصيد قد أهلك. وقيل : قائم أي باق نسله، وحصيد أي منقطع نسله. وهذا يتمشى على أن يكون التقدير ذلك من أنباء أهل القرى. وقد قيل : هو على حذف مضاف أي : من أنباء أهل القرى، ويؤيده قوله : وما ظلمناهم، فعاد الضمير على ذلك المحذوف. وقال الأخفش : حصيد أي محصود، وجمعه حصدى وحصاد، مثل : مرضى ومراض، وباب فعلى جمعاً لفعيل بمعن مفعول، أن يكون فيمن يعقل نحو : قتيل وقتلى. وقال الزمخشري :(فإن قلت) : ما محل هذه الجملة ؟ قلت : هي مستأنفة لا محل لها انتهى. وقال أبو البقاء : منها قائم ابتداء، وخبر في موضع الحال من الهاء في نقصه، وحصيد مبتدأ خبره محذوف أي : ومنها حصيد انتهى. وما ذكره تجوز أي : نقصه عليك وحال القرى ذلك، والحال أبلغ في التخويف وضرب المثل للحاضرين أي : نقص عليك بعض أنباء القرى وهي على هذه الحال يشاهدون فعل الله بها. وما ظلمناهم أي : بإهلاكنا إياههم، بل وضعنا عليهم من العذاب ما يستحقونه، ولكن ظلموا أنفسهم بوضع الكفر موضع الإيمان، وارتكاب ما به أهلكوا. والظاهر أنّ قوله : فما أغنت، نفي أي، لم ترد عنهم من بأس الله شيئاً ولا أجدت. يدعون حكاية حال أي : التي كانوا يدعون، أي يعبدون، أو يدعونها اللات والعزى وهبل. قال الزمخشري : ولما منصوب بما أغنت انتهى. وهذا بناء على أنّ لما ظرف، وهو خلاف مذهب سيبويه، لأنّ مذهبه أنها حرف وجوب لوجوب. وأمر ربك هو عذابه ونقمته. وما زادوهم عومل معاملة العقلاء في الإسناد إلى واو الضمير الذي هو لمن يعقل، لأنهم نزلوهم منزلة العقلاء في اعتقادهم أنها تنفع، وعبادتهم إياهم. والتتبيب التخسير. قال ابن زيد : الشر، وقال قتادة : الخسران والهلاك، وقال مجاهد : التخسير، وقيل : التدمير. وهذه كلها أقوال متقاربة. قال ابن عطية : وصورة زيادة الأصنام التتبيب، إنما هو يتصور بأنّ تأميلها والثقة بها والتعب في عبادتها شغلت نفوسهم عن النظر في الشرع وعاقبته، فلحق من ذلك عقاب وخسران. وأما بأن عذابهم على
٢٦٠
الكفر يزاد به عذاب على مجرد عبادة الأوثان.
﴿وَكَذالِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَآ أَخَذَ الْقُرَى وَهِىَ ظَـالِمَةٌا إِنَّ أَخْذَهُا أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِى ذالِكَ لايَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الاخِرَةِا ذَالِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَالِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُا إِلا لاجَلٍ مَّعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِا فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ﴾ : أي ومثل ذلك الأخذ أخذ الله الأمم السابقة أخذ ربك. والقرى عام في القرى الظالمة، والظلم يشمل ظلم الكفر وغيره. وقد يمهل الله تعالى بعض الكفرة. وأما الظلمة في الغالب فمعاجلون، وفي الحديث :"إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ : وكذلك أخذ ربك إذاً. وقرأ أبو رجاء والجحدري : وكذلك أخذ ربك، إذ أخذ على أنّ أخذ ربك فعل وفاعل، وإذ ظرف لما مضى، وهو إخبار عما جرب به عادة الله في إهلاك من تقدم من الأمم. وقرأ طلحة بن مصرف : وكذلك أحذ ربك هذا أخذ. قال ابن عطية : وهي قراءة متمكنة المعنى، ولكن قراءة الجماعة تعطي الوعيد واستمراره في الزمان، وهو الباب في وضع المستقبل موضع الماضي، والقرى مفعول بأخذ على الإعمال إذ تنازعه المصدر وهو : أخذ ربك، وأخذ، فاعمل الثاني وهي ظالمة جملة حالية إن أخذه أليم موجع صعب على المأخوذ. والأخذ هنا أخذ الإهلاك.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٠
إنّ في ذلك أي : فيما قص الله من أخبار الأمم الماضية وإهلاكهم لآية لعلامة لمن خاف عذاب الآخرة، أي : إنهم إذا عذبوا في الدنيا لأجل تكذيبهم الأنبياء وإشراكهم بالله، وهي دار العمل فلأن يعذبوا على ذلك في الآخرة التي هي دار الجزاء أولى، وذلك أنّ الأنبياء أخبروا باستئصال من كذبهم، وأشركوا بالله. ووقع ما أخبروا به وفق إخبارهم، فدل على أنّ ما أخبروا به من البعث والجزاء صدق لا شك فيه. قال الزمخشري : لآية لمن خاف لعبرة له، لأنه ينظر إلى ما أحل الله بالمجرمين في الدنيا، وما هو إلا أنموذج مما أعد لهم في الآخرة، فإذا رأى عظمته وشدته اعتبر به من عظيم العذاب الموعود فيكون له عظة وعبرة ولطفاً في زيادة التقوى والخشية من الله ونحوه :﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى ﴾ ذلك إشارة إلى يوم القيامة الدال عليه قوله : عذاب الآخرة، والناس مفعول لم يسم فاعله رافعه مموع، وأجاز ابن عطية أن يكون الناس مبتدأ، ومجموع خبر مقدم، وهو بعيد لإفراد الضمير في مجموع، وقياسه على إعرابه مجموعون، ومجموع له الناس عبارة عن الحشر، ومشهود عام يشهده الأولون والآخرون من الإنس والجن والملائكة والحيوان في قول الجمهور.