وقال الزمخشري :(فإن قلت) : أي فائدة في أن أوثر اسم المفعول على فعله ؟ (قلت) : لما في اسم المفعول من دلالته على ثبات معنى الجمع لليوم، وأنه لا بد أن يكون ميعاد مضروباً لجمع الناس له، وأنه هو الموصوف بذلك صفة لازمة، وهو أثبت أيضاً لإسناد الجمع إلى الناس وأنهم لا ينفكون منه، وفيه من تمكن الوصف وثباته ما ليس في الفعل. ومعنى مشهود، مشهود فيه، فاتسع في الجار والمجرور ووصل الفعل إلى الضمير إجراء له مجرى المفعول به على السعة لقوله :
ويوماً شهدناه سليماً وعامراً
والمعنى : يشهد فيه الخلائق الموقف لا يغيب عنه أحد، ومنه قولهم لفلان : مجلس مشهود، وطعام محضور. وإنما لم يجعل اليوم مشهوداً في نفسه كما قال :﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ﴾ لأن الغرض وصف ذلك اليوم بالهول والعظم وغيره من بين الأيام، وكونه مشهوداً في نفسه لا يميزه، إذ هو موافق لسائر الأيام في كونها مشهودة. وما نؤخره أي : ذلك اليوم. وقيل : يعود على الجزاء قاله الحوفي، إلا لأجل معدود أي لقضاء سابق قد نفذ فيه بأجل محدود لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه. وقرأ الأعمش : وما يؤخره بالياء، وقرأ النحويان ونافع : يأتي بإثبات الياء وصلاً، وحذفها وقفاً، وابن كثير بإثباتها وصلاً ووقفاً، وهي ثابتة في مصحف أبيّ. وقرأ باقي السبعة بحذفها وصلاً ووقفاً، وسقطت في مصحف الإمام عثمان.
٢٦١
وقرأ الأعمش يأتون، وكذا في مصحف عبد الله، وإثباتها وصلاً ووقفاً هو الوجه، ووجه حذفها في الوقف التشبيه بالفواصل، وقفاً ووصلاً التخفيف كما قالوا : لا أدرِ ولا أبالِ. وذكر الزمخشري أنّ الاجتزاء بالكسرة عن الياء كثير في لغة هذيل. وأنشد الطبري :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٠
كفاك كف ما يليق درهماجود وأخرى تعط بالسيف الدما
والظاهر أنّ الفاعل بيأتي ضمير يعود على ما عاد عليه الضمير في نؤخره وهو قوله : ذلك يوم، والناصب له لا تكلم، والمعنى : لا تكلم نفس يوم يأتي ذلك اليوم إلا بإذن الله، وذلك من عظم المهابة والهول في ذلك اليوم. وهو نظير :﴿لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـانُ﴾ هو ناصب كقوله :﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَئاِكَةُ صَفًّا ﴾ والمراد بإتيان اليوم إتيان أهواله وشدائده، إذ اليوم لا يكون وقتاً لإتيان اليوم.
وأجاز الزمخشري أن يكون فاعل يأتي ضميراً عائداً على الله قال : كقوله :﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ﴾ ﴿أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ﴾ وجاء ربك، ويعضده قراءة وما يؤخره بالياء، وقوله :﴿بِإِذْنِهِا﴾ وأجاز أيضاً أن ينتصب يوم يأتي باذكر أو بالانتهاء المحذوف في قوله : إلا لأجل معدود، أي ينتهي الأجل يوم يأتي. وأجاز الحوفي أن يكون لا تكلم حالاً من ضمير اليوم المتقدم في مشهود، أو نعتاً لأنه نكره، والتقدير : لا تكلم نفس فيه يوم يأتي إلا بإذنه. وقال ابن عطية : لا تكلم نفس، يصح أن يكون جملة في موضع الحال من الضمير الذي في يأتي، وهو العائد على قوله ذلك يوم، ويكون على هذا عائد محذوف تقديره : لا تكلم نفس فيه إلا بإذنه. ويصح أن يكون قوله : لا تكلم نفس، صفة لقوله : يوم يأتي، أو يوم يأتي يراد به الحين والوقت لا النهار بعينه. وما ورد في القرآن من ذكر كلام أهل الموقف في التلازم والتساؤل والتجادل، فإما أن يكون بإذن الله، وإما أن يكون هذه مختصة هنا في تكلم شفاعة أو إقامة حجة انتهى. وكلامه في إعراب لا تكلم كأنه منقول من كلام الحوفي. وقيل : يوم القيامة يوم طويل له مواقف، ففي بعضها يجادلون عن أنفسهم، وفي بعضها يكفون عن الكلام فلا يؤذن لهم، وفي بعضها يؤذن لهم فيتكلمون، وفي بعضها يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم، والضمير في منهم عائد على الناس في قوله : مجموع له الناس. وقال الزمخشري : الضمير لأهل الموقف، ولم يذكروا إلا أن ذلك معلوم، ولأنّ قوله : لا تكلم نفس، يدل عليه، وقد مرّ ذكر الناس في قوله : مجموع له الناس. وقال ابن عطية فمنهم عائد على الجميع الذي تضمنه قوله : نفس، إذ هو اسم جنس يراد به الجميع انتهى. قال ابن عباس : الشقي من كتبت عليه الشقاوة، والسعيد الذي كتبت له السعادة. وقيل : معذب ومنعم، وقيل : محروم ومرزوق، وقيل : الضمي في منهم عائد على أمة محمد صلى الله عليه وسلّم، ذكره ابن الأنباري.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٠


الصفحة التالية
Icon