﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِى النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَـالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَـاوَاتُ وَالارْضُ إِلا مَا شَآءَ رَبُّكَا إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِى الْجَنَّةِ خَـالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَـاوَاتُ وَالارْضُ إِلا مَا شَآءَ رَبُّكَا عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ قال الضحاك ومقاتل والفراء : الزفير أول نهيق الحمار، والشهيق آخره، وروي عن ابن عباس، وقال أبو العالية والربيع بن أنس : الزفير في الحلق، والشهيق
٢٦٢
في الصدر، وروي عن ابن عباس أيضاً. وقال ابن السائب : الزفير زفير الحمار، والشهيق شهيق البغال. وانتصاب خالدين على أنها حال مقدرة، وما مصدرية ظرفية أي : مدة دوام السموات والأرض، والمراد بهذا التوقيت التأييد كقول العرب : ما أقام ثبير وما لاح كوكب، وضعت العرب ذلك للتأييد من غير نظر لفناء ثبير أو الكوكب، أو عدم فنائهما. وقيل : سموات الآخرة وأرضها وهي دائمة لا بد، يدل على ذلك ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الارْضُ غَيْرَ الارْضِ﴾ وقوله :﴿وَعْدَه وَأَوْرَثَنَا الارْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ﴾ ولأنه لا بد لأهل الآخرة مما يقلهم ويظلمهم، إما سماء يخلقها الله، أو يظلهم العرش وكلما أظلك فهو سماء. وعن ابن عباس : إن السموات والأرض في الآخرة يردان إلى النور الذي أخذتا منه، فهما دائمتان أبداً في نور العرش. والظاهر أنّ قوله : إلا ما شاء ربك استثناء من الزمان الدال عليه قوله : خالدين فيهما ما دامت السموات والأرض. والمعنى : إلا الزمان الذي شاءه الله تعالى، فلا يكون في النار، ولا في الجنة، ويمكن أن يكون هذا الزمان المستثنى هو الزمان الذي يفصل الله بين الخلق يوم القيامة، إذا كان الاستثناء من
٢٤٨
الكون في النار والجنة، لأنه زمان يخلو فيه الشقي والسعيد من دخول النار أو الجنة. وأما إن كان الاستثناء من الخلود فيمكن ذلك بالنسبة إلى أهل النار، ويكون الزمان المستثنى، هو الزمان الذي فات أهل النار العصاة من المؤمنين الذين يخرجون من النار ويدخلون الجنة، فليسوا خالدين في النار إذ قد أخرجوا منها وصاروا في الجنة، وهذا روى معناه عن قتادة والضحاك وغيرهما، ويكون الذين شقوا شاملاً للكفار وعصارة المسلمين. وأما بالنسبة إلى أهل الجنة فلا يتأتى منهم ما تأتى في أهل النار، إذ ليس منهم من يدخل الجنة ثم لا يخلد فيها، لكن يمكن ذلك باعتبار أن يكون أريد الزمان الذي فات أهل النار العصاة من المؤمنين، أو الذي فات أصحاب الأعراف، فإنهم بفوات تلك المدة التي دخل المؤمنون فيها الجنة وخلدوا فيها صدق على العصاة المؤمنين وأصحاب الأعراف أنهم ما خلدوا في الجنة تخليد من دخلها لأول وهلة، ويجوز أن يكون استثناء من الضمير المستكن في الجار والمجرور، أو في خالدين، وتكون ما واقعة على نوع من يعقل، كما وقعت في قوله :﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَآءِ﴾ أو تكون واقعة على من يعقل على مذهب من يرى وقوعها على من يعقل مطلقاً، ويكون المستثنى في قصة النار عصاة المؤمنين، وفي قصة الجنة هم، أو أصحاب الأعراف لأنهم لم يدخلوا الجنة لأول وهلة، ولا خلدوا فيها خلود من دخلها أول وهلة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٠
وقال الزمخشري :(فإن قلت) : ما معنى الاستثناء في قوله : إلا ما شاء ربك، وقد ثبت خلود أهل الجنة والنار في الآية من غير استثناء ؟ (قلت) : هو استثناء من الخلود في عذاب النار، ومن الخلود في نعيم أهل الجنة، وذلك أنّ أهل النار لا يخلدون في عذاب النار وحده، بل يعذبون بالزمهرير وبأنواع من العذاب يساوي عذاب النار، وبما هو أغلظ منها كلها وهو سخط الله عليهم وخسؤه لهم وإهانته إياهم. وهكذا أهل الجنة لهم مع تبوّء الجنة ما هو أكبر منها وأحل موقعاً منهم، وهو رضوان الله تعالى. كما قال :﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾ الآية إلى قوله :﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ ولهم ما يتفضل به عليهم سوى ثواب الجنة ما لا يعرف كنهه إلا هو، فهو المراد بالاستثناء، والدليل عليه قوله : عطاء غير مجذوذ. ومعنى قوله في مقابلته : إن ربك فعال لما يريد، أنه يفعل بأهل النار، ما يريد من العذاب، كما يعطي أهل الجنة عطاءه الذي لا انقطاع له، فتأمله فإنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً ولا يخدعنك عنه قول المجبرة : المراد بالاستثناء خروج أهل الكبائر من النار بالشفاعة، فإن الاستثناء الثاني ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم. وما ظنك بقوم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم لما روي لهم بعض الثوابت عن عبد الله بن عمرو بن العاص : ليأتين على جهنم يوم تصفق
٢٦٣