فيه أبوابها ليس فيها أحد، وذلك عندما يلبثون فيها أحقاباً. وقد بلغني أن من الضلال من اعتبر هذا الحديث، فاعتقد أنّ الكفار لا يخلدون في النار، وهذا ونحوه والعياذ بالله من الخذلان المبين زادنا الله هداية إلى الحق ومعرفة بكتابه، وتنبيهاً عن أن نغفل عنه. ولئن صح هذا عن أبي العاص فمعناه يخرجون من النار إلى برد الزمهرير، فذلك خلو جهنم وصفق أبوابها انتهى. وهو على طريق الاعتزال في تخليد أهل الكبائر غير التائبين من المؤمنين في النار، وأما ما ذكره من الاستثناء في أهل النار من كونهم لا يخدلون في عذاب النار، إذ ينتقلون إلى الزمهرير فلا يضيق عليهم أنهم خالدون في عذاب النار، فقد يتمشى. وأما ما ذكره من الاستثناء في أهل الجنة من قوله : خالدين، فلا يتمشى لأنهم مع ما أعطاهم الله من رضوانه، وما تفضل عليهم به منسوى ثواب الجنة، لا يخرجهم ذلك عن كونهم خالدين في الجنة، فلا يصح الاستثناء على هذا، بخلاف أهل النار فإنه لخروجهم من عذابها إلى الزمهرير يصح الاستثناء.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٠
وقال ابن عطية : وأما قوله إلا ما شاء ربك، فقيل فيه : إن ذلك على طريق الاستثناء الذي ندب الشرع إلى استعماله في كل كلام، فهو على نحو قوله :﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُ ءَامِنِينَ﴾ استثناء في واجب، وهذا الاستثناء هو في حكم الشرط كأنه قال : إن شاء الله، فليس يحتاج أن يوصف بمتصل ولا منقطع. وقيل : هو استثناء من طول المدة، وذلك على ما روي أن جهنم تخرب ويعدم أهلها، وتخفق أبوابها، فهم على هذا يخدلون حتى يصير أمرهم إلى هذا، وهذا قول محيل. والذي روى ونقل عن ابن مسعود وغيره : أنها تخلو من النار إنما هو الدرك الأعلى المختص بعصاة المؤمنين، وهو الذي يسمى جهنم، وسمى الكل به تجوزاً. وقيل : إلا بمعنى الواو، وفمعنى الآية : وما شاء الله زائداً على ذلك. وقيل : في هذه الآية بمعنى سوى، والاستثناء منقطع كما تقول : لي عندك ألفا درهم إلا الألف التي كنت أسلفتك، بمعنى سوى تلك الألف. فكأنه قال : خالدين فيها ما دامت السموات والأرض، سوى ما شاء الله زائداً على ذلك، ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى بعد هذا : عطاء غير مجذوذ، وهذا قول الفرّاء. وقيل : سوى ما أعد لهم من أنواع العذاب مما لا يعرف كالزمهرير. وقيل : استثناء من مدة السموات والأرض التي فرطت لهم في الحياة الدنيا. وقيل : في البرزخ بين الدنيا والآخرة. وقيل : في المسافات التي بينهم في دخول النار إذ دخولهم إنما هو زمراً بعد زمر. وقيل : الاستثناء من قوله ففي النار، كأنه قال : إلا ما شاء ربك من تأخير قوم عن ذلك، وهذا قول رواه أبو نصرة عن جابر، أو عن أبي سعيد الخدري، ثم أخبر منبهاً على قدرة الله تعالى فقال : إن ربك فعال لما يريد انتهى. وقال أبو مجلز : إلا ما شاء ربك أن يتجاوز عنه بعذاب يكون جزاؤه الخلود في النار، فلا يدخله النار. وقيل : معنى إلا ما شاء ربك كما شاء ربك قيل : كقوله :﴿وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ النِّسَآءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ أي كما قد سلف. وقرأ الحسن : شقوا بضم الشين، والجمهور بفتحها. وقرأ ابن مسعود، وطلحة بن مصرّف، وابن وثاب، والأعمش، وحمزة، والكسائي، وحفص سعدوا بضم السين، وباقي السبعة والجمهور بفتحها. وكان علي بن سليمان يتعجب من قراءة الكسائي سعدوا مع علمه بالعربية، ولا يتعجب من ذلك إذ هي قراءة منقولة عن ابن مسعود ومن ذكرنا معه. وقد احتج الكسائي بقولهم : مسعود، قيل : ولا حجة فيه لأنه يقال : مكان مسعود فيه، ثم حذف فيه وسمى به، وقال المهدوي : من قرأ سعدوا فهو محمول على مسعود، وهو شاذ قليل لأنه لا يقال سعده الله، إنما يقال : أسعده الله. وقال الثعلبي : سعد وأسعد بمعنى واحد، وانتصب عطاء على المصدر أي : أعطوا عطاء بمعنى إعطاء كقوله :﴿وَاللَّهُ أَنابَتَكُم مِّنَ الارْضِ نَبَاتًا﴾ أي إنباتاً. ومعنى غير مجذوذ : غير مقطوع، بل هو ممتد إلى غير نهاية.
٢٦٤
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٠
الزلفة قال الليث : طائفة من أول الليل، والجمع الزلف، وقال ثعلب : الزلف أول ساعات الليل، واحدها زلفة. وقال أبو عبيدة، والأخفش، وابن قتيبة، الزلف ساعات الليل وآناؤه، وكل ساعة زلفة. وقال العجاج :
ناح طواه الأين مما وجَفَاطيَّ الليالي زلفاً فزلفا
سماؤه الهلال حتى احقوقنا
وأصل الكلمة من الزلفى وهي القربة، ويقال : أزلفه فازدلف أي قربه فاقترب، وأزلفني أدناني. الترف : النعمة، صبي مترف منعم البدن، ومترف أبطرته النعمة وسعة العيش. وقال الفراء : أترف عود الترفة وهي النعمة.


الصفحة التالية
Icon