الرابع حكى الله عن موسى عليه السلام أنه لما أمر قومه بذبح البقرة قال قومه أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين البقرة ٦٧ فأعطاه الله خلعتين إزالة التهمة وإحياء القتيل فقال فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته البقرة ٧٣ الخامس أن القوم لما خوفوه بالقتل قال وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون الدخان ٢٠ وقال في آية أخرى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب غافر ٢٧ فأعطاه الله تعالى مراده فأفنى عدوهم وأورثهم أرضهم وديارهم والسادس أن أم مريم قالت وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم آل عمران ٣٦ فوجدت الخلعة والقبول وهو قوله فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا آل عمران ٣٧ والسابع أن مريم عليها السلام لما رأت جبريل في صورة بشر يقصدها في الخلوة قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا مريم ١٨ فوجدت نعمتين ولدا من غير أب وتنزيه الله إياها بلسان ذلك الولد عن السوء وهو قوله إني عبد الله مريم ٣٠ الثامن أن الله تعالى أمر محمدا عليه الصلاة والسلام بالاستعاذة مرة بعد أخرى فقال وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون المؤمنون ٩٧ وقال قل أعوذ برب الفلق الفلق ١ و قل أعوذ برب الناس الناس ١ والتاسع قال في سورة الأعراف خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم الأعراف ١٩٩ وقال في حم السجدة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم فصلت ٣٤ إلى أن قال وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم فصلت ٣٦ فهذه الآيات دالة على أن الأنبياء عليهم السلام كانوا أبدا في الاستعاذة من شر شياطين الإنس والجن وأما الأخبار فكثيرة الخبر الأول عن معاذ بن جبل قال استب رجلان عند النبي وأغرقا فيه فقال عليه السلام
إني لأعلم كلمة لو قالاها لذهب عنهما ذلك وهي قوله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأقول هذا المعنى مقرر في العقل من وجوه الأول أن الإنسان يعلم أن علمه بمصالح هذا العالم ومفاسده قليل جدا وأنه إنما يمكنه أن يعرف ذلك القليل بمدد العقل وعند الغضب يزول العقل فكل ما يفعله ويقوله لم يكن على القانون الجيد فإذا استحضر في عقله هذا صار هذا المعنى مانعا له عن الاقدام على تلك الأفعال وتلك الأقوال وحاملا له على أن يرجع إلى الله تعالى في تحصيل الخيرات ودفع الآفات فلا جرم يقول أعوذ بالله الثاني أن الإنسان غير عالم قطعا بأن الحق من جانبه ولا من جانب خصمه فإذا علم ذلك يقول أفوض هذه الواقعة إلى الله تعالى فإذا كان الحق من جانبي فالله يستوفيه من خصمي وإن كان الحق من جانب خصمي فالأولى أن لا أظلمه وعند هذا يفوض تلك الحكومة إلى الله ويقول أعوذ بالله الثالث أن الإنسان إنما يغضب إذا أحس من نفسه بفرط قوة وشدة بواسطتها يقوى على قهر الخصم فإذا استحضر في عقله أن إله العالم أقوى وأقدر مني ثم إني عصيته مرات وكرات وأنه بفضله تجاوز عني فالأولى لي أن أتجاوز عن هذا المغضوب عليه فإذا أحضر في عقله هذا المعنى ترك الخصومة والمنازعة وقال أعوذ بالله وكل هذه المعاني مستنبطة من قوله تعالى إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون الأعراف ٢٠١ والمعنى أنه إذا تذكر هذه الأسرار والمعاني أبصر طريق الرشد فترك النزاع والدفاع ورضي بقضاء الله تعالى