نفسه فقد عرف ربه والمعنى من عرف نفسه بالضعف والقصور عرف ربه بأنه هو القادر على كل مقدور ومن عرف نفسه بالجهل عرف ربه بالفضل والعدل ومن عرف نفسه باختلال الحال عرف ربه بالكمال والجلال
النكتة الثالثة
أن الإقدام على الطاعات لا يتيسر إلا بعد الفرار من الشيطان وذلك هو الاستعاذة بالله إلا أن هذه الاستعاذة نوع من أنواع الطاعة فإن كان الإقدام على الطاعة يوجب تقديم الاستعاذة عليها افتقرت الاستعاذة إلى تقديم استعاذة أخرى ولزم التسلسل وإن كان الإقدام على الطاعة لا يحوج إلى تقديم الاستعاذة عليها لم يكن في الاستعاذة فائدة فكأنه قيل له الإقدام على الطاعة لا يتم إلا بتقديم الاستعاذة عليها وذلك يوجب الإتيان بما لا نهاية له وذلك ليس في وسعك إلا أنك إذا عرفت هذه الحالة فقد شاهدت عجزك واعترفت بقصورك فأنا أعينك على الطاعة وأعلمك كيفية الخوض فيها فقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
النكتة الرابعة
أن سر الاستعاذة هو الالتجاء إلى قادر يدفع الآفات عنك ثم إن أجل الأمور التي يلقي الشيطان وسوسته فيها قراءة القرآن لأن من قرأ القرآن ونوى به عبادة الرحمن وتفكر في وعده ووعيده وآياته وبيناته ازدادت رغبته في الطاعات ورهبته عن المحرمات فلهذا السبب صارت قراءة القرآن من أعظم الطاعات فلا جرم كان سعي الشيطان في الصد عنه أبلغ وكان احتياج العبد إلى من يصونه عن شر الشيطان أشد فلهذه الحكمة اختصت قراءة القرآن بالاستعاذة
النكتة الخامسة
الشيطان عدو الإنسان كما قال تعالى إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا فاطر ٦ والرحمن مولى الإنسان وخالقة ومصلح مهماته ثم إن الإنسان عند شروعه في الطاعات والعبادات خاف العدو فاجتهد في أن يتحرى مرضاة مالكه ليخلصه من زحمة ذلك العدو فلما وصل الحضرة وشاهد أنواع البهجة والكرامة نسي العدو وأقبل بالكلية على خدمة الحبيب فالمقام الأول هو الفرار وهو قوله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم والمقام الثاني هو الاستقرار في حضرة الملك الجبار فهو قوله بسم الله الرحمن الرحيم
النكتة السادسة
قال تعالى لا يمسه إلا المطهرون فالقلب لما تعلق بغير الله واللسان لما جرى بذكر غير الله حصل فيه نوع من اللوث فلا بد من استعمال الطهور فلما قال أعوذ بالله حصل الطهور فعند ذلك يستعد للصلاة الحقيقية وهي ذكر الله تعالى فقال بسم الله
النكتة السابعة
قال أرباب الإشارات لك عدوان أحدهما ظاهر والآخر باطن وأنت مأمور بمحاربتهما قال تعالى في العدو الظاهر قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله التوبة ٢٩ وقال في العدو الباطن إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا فاطر ٦ فكأنه تعالى قال إذا حاربت عدوك الظاهر كان مددك الملك كما قال تعالى يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين آل عمران ١٢٥ وإذا حاربت عدوك الباطن كان مددك الملك كما قال تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان الإسراء ٦٥ وأيضا فمحاربة العدو الباطن أولى من محاربة العدو الظاهر لأن العدو الظاهر إن وجد فرصة ففي متاع الدنيا والعدو الباطن إن وجد فرصة ففي الدين واليقين وأيضا فالعدو الظاهر إن غلبنا كنا مأجورين والعدو


الصفحة التالية
Icon