الباطن إن غلبنا كنا مفتونين وأيضا فمن قتله العدو الظاهر كان شهيدا ومن قتله العدو الباطن كان طريدا فكان الاحتراز عن شر العدو الباطن أولى وذلك لا يكون إلا بأن يقول الرجل بقلبه ولسانه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
النكتة الثامنة
أن قلب المؤمن أشرف البقاع فلا تجد ديارا طيبة ولا بساتين عامرة ولا رياضا ناضرة إلا وقلب المؤمن أشرف منها بل قلب المؤمن كالمرآة في الصفاء بل فوق المرآة لأن المرآة إن عرض عليها حجاب لم ير فيها شيء وقلب المؤمن لا يحجبه السموات السبع والكرسي والعرش كما قال تعالى إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه فاطر ١٠ بل القلب مع جميع هذه الحجب يطالع جلال الربوبية ويحيط علما بالصفات الصمدية ومما يدل على أن القلب أشرف البقاع وجوه الأول أنه عليه الصلاة والسلام قال القبر روضة من رياض الجنة وما ذاك إلا أنه صار مكان عبد صالح ميت فإذا كان القلب سريرا لمعرفة الله وعرشا لإلهيته وجب أن يكون القلب أشرف البقاع الثاني كأن الله تعالى يقول يا عبدي قلبك بستاني وجنتي بستانك فلما لم تبخل علي ببستانك بل أنزلت معرفتي فيه فكيف أبخل ببستاني عليك وكيف أمنعك منه الثالث أنه تعالى حكى كيفية نزول العبد في بستان الجنة فقال في مقعد صدق عند مليك مقتدر القمر ٥٥ ولم يقل عند المليك فقط كأنه قال أنا في ذلك اليوم أكون مليكا مقتدرا وعبيدي يكونون ملوكا إلا أنهم يكونون تحت قدرتي إذا عرفت هذه المقدمة فنقول كأنه تعالى يقول يا عبدي إني جعلت جنتي لك وأنت جعلت جنتك لي لكنك ما انصفتني فهل رأيت جنتي الآن وهل دخلتها فيقول العبد لا يا رب فيقول تعالى وهل دخلت جنتك فلا بد وأن يقول العبد نعم يا رب فيقول تعالى إنك بعد ما دخلت جنتي ولكن لما قرب دخولك أخرجت الشيطان من جنتي لأجل نزولك وقلت له اخرج منها مذؤوما مدحورا فأخرجت عدوك قبل نزولك وأما أنت فبعد نزولي في بستانك سبعين سنة كيف يليق بك أن لا تخرج عدوي ولا تطرده فعند ذلك يجيب العبد ويقول إلهي أنت قادر على إخراجه من جنتك وأما أنا فعاجز ضعيف ولا أقدر على إخراجه فيقول الله تعالى العاجز إذا دخل في حماية الملك القاهر صار قويا فادخل في حمايتي حتى تقدر على إخراج العدو من جنة قلبك فقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فإن قيل فإذا كان القلب بستان الله فلماذا لا يخرج الشيطان منه قلنا قال أهل الإشارة كانه تعالى يقول للعبد أنت الذي أنزلت سلطان المعرفة في حجرة قلبك ومن أراد أن ينزل سلطانا في حجرة نفسه وجب عليه أن يكنس تلك الحجرة وأن ينظفها ولا يجب على السلطان تلك الأعمال فنظف أنت حجرة قلبك من لوث الوسوسة فقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
النكتة التاسعة
كأنه تعالى يقول يا عبدي ما أنصفتني أتدري لأي شيء تكدر ما بيني وبين الشيطان إنه كان يعبدني مثل عباده الملائكة وكان في الظاهر مقرا بإلهيتي وإنما تكدر ما بيني وبينه لأني أمرته بالسجود لأبيك آدم فامتنع فلما تكبر نفيته عن خدمتي وهو في الحقيقة ما عادى أباك إنما امتنع من خدمتي ثم إنه يعاديك منذ سبعين سنة وأنت تحبه وهو يخالفك في كل الخيرات وأنت توافقه في كل المرادات فاترك هذه الطريقة المذمومة وأظهر عداوته فقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم