النكتة العاشرة
أما إن نظرت إلى قصة أبيك فإنه أقسم بأنه له من الناصحين ثم كان عاقبة ذلك الأمر أنه سعى في إخراجه من الجنة وأما في حقك فإنه أقسم بأنه يضلك ويغويك فقال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ص ٨٢ فإذا كانت هذه معاملته مع من أقسم أنه ناصحه فكيف تكون معاملته مع من أقسم أنه يضله ويغويه
النكتة الحادية عشرة
إنما قال أعوذ بالله ولم يذكر اسما آخر بل ذكر قوله الله لأن هذا الاسم أبلغ في كونه زاجرا عن المعاصي من سائر الأسماء والصفات لأن الإله هو المستحق للعبادة ولا يكون كذلك إلا إذا كان قادرا عليما حكيما فقوله أعوذ بالله جار مجرى أن يقول أعوذ بالقادر العليم الحكيم وهذه الصفات هي النهاية في الزجر وذلك لأن السارق يعلم قدرة السلطان وقد يسرق ماله لأن السارق عالم بأن ذلك السلطان وإن كان قادرا إلا أنه غير عالم فالقدرة وحدها غير كافية في الزجر بل لا بد معها من العلم وأيضا فالقدرة والعلم لا يكفيان في حصول الزجر لأن الملك إذا رأى منكرا إلا أنه لا ينهي عن المنكر لم يكن حضوره مانعا منه أما إذا حصلت القدرة وحصل العلم وحصلت الحكمة المانعة من القبائح فههنا يحصل الزجر الكامل فإذا قال العبد أعوذ بالله فكأنه قال أعوذ بالقادر العليم الحكيم الذي لا يرضى بشيء من المنكرات فلا جرم يحصل الزجر التام
النكتة الثانية عشرة
لما قال العبد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم دل ذلك على أنه لا يرضى بأن يجاور الشيطان وإنما لم يرض بذلك لأن الشيطان عاص وعصيانه لا يضر هذا المسلم في الحقيقة فإذا كان العبد لا يرضى بجوار العاصي فبأن لا يرضى بجوار عين المعصية أولى
النكتة الثالثة عشرة
الشيطان اسم والرجيم صفة ثم إنه تعالى لم يقتصر على الاسم بل ذكر الصفة فكأنه تعالى يقول إن هذا الشيطان بقي في الخدمة ألوفا من السنين فهل سمعت أنه ضرنا أو فعل ما يسوءنا ثم إنا مع ذلك رجمناه حتى طردناه وأما أنت فلو جلس هذا الشيطان معك لحظة واحدة لألقاك في النار الخالدة فكيف لا تشتغل بطرده ولعنه فقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
النكتة الرابعة عشرة
لقائل أن يقول لم لم يقل أعوذ بالملائكة مع أن أدون ملك من الملائكة يكفي في دفع الشيطان فما السبب في أن جعل ذكر هذا الكلب في مقابلة ذكر الله تعالى وجوابه كأنه تعالى يقول عبدي إنه يراك وأنت لا تراه بدليل قوله تعالى إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم الأعراف ٢٧ وإنما نفذ كيده لأنه يراكم وأنتم لا ترونه فتمسكوا بمن يرى الشيطان ولا يراه الشيطان وهو الله سبحانه وتعالى فقولوا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
النكتة الخامسة عشرة
أدخل الألف واللام في الشيطان ليكون تعريفا للجنس لأن الشياطين كثيرة مرئية وغير مرئية بل المرئي ربما كان أشد حكي عن بعض المذكرين أنه قال في مجلسه إن الرجل إذا أراد أن يتصدق فإنه يأتيه سبعون شيطانا فيتعلقون بيديه ورجليه وقلبه ويمنعونه من الصدقة فلما سمع بعض القوم ذلك فقال إني أقاتل هؤلاء السبعين وخرج من المسجد وأتى المنزل وملأ ذيله من الحنطة وأراد أن يخرج ويتصدق به فوثبت زوجته وجعلت تنازعه وتحاربه حتى أخرجت ذلك من ذيله فرجع الرجل خائبا إلى المسجد فقال المذكر ماذا عملت فقال هزمت السبعين فجاءت أمهم فهزمتني وأما إن جعلنا الألف


الصفحة التالية
Icon