البيان أن قوله تعالى أَلا إِنَّ للَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ مقدمة توجب الجزم بصحة قوله أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ثم قال وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ والمراد أنهم غافلون عن هذه الدلائل مغرورون بظواهر الأمور فلا جرم بقوا محرومين عن هذه المعارف ثم إنه أكد هذه الدلائل فقال هُوَ يُحْى ِ وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ والمراد أنه لما قدر على الإحياء في المرة الأولى فإذا أماته وجب أن يبقى قادراً على إحيائه في المرة الثانية فظهر بما ذكرنا أنه تعالى أمر رسوله بأن يقول إِى وَرَبّى ( يونس ٥٣ ) ثم إنه تعالى أتبع ذلك الكلام بذكر هذه الدلائل القاهرة
واعلم أن في قوله أَلا إِنَّ للَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ دقيقة أخرى وهي كلمة إِلا وذلك لأن هذه الكلمة إنما تذكر عند تنبيه الغافلين وإيقاظ النائمين وأهل هذا العالم مشغولون بالنظر إلى الأسباب الظاهرة فيقولون البستان للأمير والدار للوزير والغلام لزيد والجارية لعمرو فيضيفون كل شيء إلى مالك آخر والخلق لكونهم مستغرقين في نوم الجهل ورقدة الغفلة يظنون صحة تلك الإضافات فالحق نادى هؤلاء النائمين الغافلين بقوله أَلا إِنَّ للَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وذلك لأنه لما ثبت بالعقل أن ما سوى الواحد الأحد الحق ممكن لذاته وثبت أن الممكن مستند إلى الواجب لذاته إما ابتداء أو بواسطة فثبت أن ما سواه ملكه وملكه وإذا كان كذلك فليس لغيره في الحقيقة ملك فلما كان أكثر الخلق غافلين عن معرفة هذا المعنى غير عالمين به لا جرم أمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام أن يذكر هذا النداء لعل واحداً منهم يستيقظ من نوم الجهالة ورقدة الضلالة
ياأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَة ٌ مَّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَة ٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ
في الآية مسائل
المسألة الأولى اعلم أن الطريق إلى إثبات نبوة الأنبياء عليهم السلام أمران الأول أن نقول إن هذا الشخص قد ادعى النبوة وظهرت المعجزة على يده وكل من كان كذلك فهو رسول من عند الله حقاً وصدقاً وهذا الطريق مما قد ذكره الله تعالى في هذه السورة وقرره على أحسن الوجوه في قوله وَمَا كَانَ هَاذَا الْقُرْءانُ أَن يَفْتَرِى مِن دُونِ اللَّهِ وَلَاكِن تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَة ٍ مّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( يوس ٣٧ ٣٨ ) وقد ذكرنا في تفسير هذه الآية ما يقوي الدين ويورث اليقين ويزيل الشكوك والشبهات ويبطل الجهالات والضلالات
وأما الطريق الثاني فهو أن نعلم بعقولنا أن الاعتقاد الحق والعمل الصالح ما هو فكل من جاء ودعا الخلق إليهم وحملهم عليه وكانت لنفسه قوة قوية في نقل الناس من الكفر إلى الإيمان ومن الاعتقاد الباطل إلى الاعتقاد الحق ومن الأعمال الداعية إلى الدنيا إلى الأعمال الداعية إلى الآخرة فهو النبي الحق الصادق


الصفحة التالية
Icon