حديداً أو شيئاً أبعد في قبول الحياة من هذين الشيئين فإن إعادة الحياة إليه ممكنة فعند ذلك قالوا من هذا الذي يقدر على إعادة الحياة إليه قال تعالى قل يا محمد الذي فطركم أول مرة يعني أن القول بصحة الإعادة فرع على تسليم أن خالق الحيوانات هو الله تعالى
فإذا ثبت ذلك فنقول إن تلك الأجسام قابلة للحياة والعقل وإله العالم قادر لذاته عالم لذاته فلا يبطل علمه وقدرته ألبتة فالقادر على الابتداء يجب أن يبقى قادراً على الإعادة وهذا كلام تام وبرهان قوي
ثم قال تعالى فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ قال الفراء يقال أنغض فلان رأسه ينغضه إنغاضاً إذا حركه إلى فوق وإلى أسفل وسمي الظليم نغضاً لأنه يحرك رأسه وقال أبو الهيثم يقال للرجل إذا أخبر بشيء فحرك رأسه إنكاراً له قد أنغض رأسه فقوله فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ يعني يحركونها على سبيل التكذيب والاستبعاد ثم قال تعالى رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ واعلم أن هذا السؤال فاسد لأنهم حكموا بامتناع الحشر والنشر بناء على الشبهة التي حكيناها ثم إن الله تعالى بين بالبرهان الباهر كونه ممكناً في نفسه فقولهم متى هو كلام لا تعلق له بالبحث الأول فإنه لما ثبت بالدليل العقلي كونه ممكن الوجود في نفسه وجب الاعتراف بامكانه فأما أنه متى يوجد فذاك لا يمكن إثباته من طريق العقل بل إنما يمكن إثباته بالدلائل السمعية فإن أخبر الله تعالى عن ذلك الوقت المعين عرف وإلا فلا سبيل إلى معرفته
واعلم أنه تعالى بين في القرآن أنه لا يطلع أحداً من الخلق على وقته المعين فقال إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَة ِ ( لقمان ٣٤ ) وقال إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي ( الأعراف ١٨٧ ) وقال إِنَّ السَّاعَة َ ءاتِيَة ٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا ( طه ١٥ ) فلا جرم قال تعالى قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا قال المفسرون عسى من الله واجب معناه أنه قريب
فإن قالوا كيف يكون قريباً وقد انقرض ستمائة سنة ولم يظهر
قلنا إذا كان ما مضى أكثر مما بقي كان الباقي قريباً قليلاً ثم قال تعالى يَوْمَ يَدْعُوكُمْ وفيه قولان الأول أنه خطاب مع الكفار بدليل أن ما قبل هذه الآية كله خطاب مع الكفار ثم نقول انتصب يوماً على البدل من قوله قريباً والمعنى عسى أن يكون البعث يوم يدعوكم أي بالنداء الذي يسمعكم وهو النفحة الأخيرة كما قال يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ( ق ٤١ ) يقال إن إسرافيل ينادي أيتها الأجساد البالية والعظام النخرة والأجزاء المتفرقة عودي كما كنت بقدرة الله تعالى وبإذنه وتكوينه وقال تعالى يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِ إِلَى شَى ْء نُّكُرٍ ( القمر ٦ ) وقوله فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ أي تجيبون والاستجابة موافقة الداعي فيما دعا إليه وهي الإجابة إلا أن الاستجابة تقتضي طلب الموافقة فهي أوكد من الإجابة وقوله بِحَمْدِهِ قال سعيد بن جبير يخرجون من قبورهم وينفضون التراب عن رؤسهم ويقولون سبحانك وبحمدك فهو قوله فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وقال قتادة بمعرفته وطاعته وتوجيه هذا القول أنهم لما أجابوا بالتسبيح والتحميد كان ذلك معرفة منهم وطاعة ولكنهم لا ينفعهم ذلك في ذلك اليوم فلهذا قال المفسرون حمدوا حين لا ينفعهم الحمد وقال أهل المعاني تستجيبون بحمده أي تستجيبون حامدين كما يقال جاء بغضبه أي جاء غضبان وركب الأمير بسيفه أي وسيفه معه وقال صاحب ( الكشاف ) بحمده حال منهم أي حامدين وهذا مبالغة في انقيادهم للبعث كقولك لمن تأمره بعمل يشق عليه ستأتي به وأنت حامد شاكر أي


الصفحة التالية
Icon