المستمعين للقرآن الفاهمين لمعانيه المفسرين له بياناً لغاية الخلاف بين المنافق فإنه استمع ولم يفهمه وستعاد ولم يعلمه والمهتدي فإنه علمه وبينه لغيره ويدل عليه قوله تعالى زَادَهُمْ هُدًى ولم يقل اهتداء والهدى مصدر من هدى قال الله تعالى فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ( الأنعام ٩٠ ) أي خذ بما هدوا واهتد كما هدوا وعلى هذا فقوله تعالى وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ معناه جنبهم عن القول في القرآن بغير برهان وحملهم على الاتقاء من التفسير بالرأي وعلى هذا فقوله زَادَهُمْ هُدًى معناه كانوا مهتدين فزادهم على الاهتداء هدى حتى ارتقوا من درجة المهتدين إلى درجة الهادين ويحتمل أن يقال قوله زَادَهُمْ هُدًى إشارة إلى العلم وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ إشارة إلى الأخذ بالاحتياط فيما لم يعلموه وهو مستنبط من قوله تعالى فَبَشّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ( الزمر ١٧ ١٨ ) وقوله وَالرسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ ( آل عمران ٧ )
المعنى الثالث يحتمل أن يكون المراد بيان أن المخلص على خطر فهو أخشى من غيره وتحقيقه هو أنه لما قال زَادَهُمْ هُدًى أفاد أنهم ازداد علمهم وقال تعالى إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ( فاطر ٢٨ ) فقال آتاهم خشيتهم التي يفيدها العلم
والمعنى الرابع تقواهم من يوم القيامة كما قال تعالى كَفُورٍ ياأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَاخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ ( لقمان ٣٣ ) ويدل عليه قوله تعالى فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَة َ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَة ً ( محمد ١٨ ) كأن ذكر الساعة عقيب التقوى يدل عليه
المعنى الخامس آتاهم تقواهم التقوى التي تليق بالمؤمن وهي التقوى التي لا يخاف معها لومة لائم
ثم قال تعالى الَّذِينَ يُبَلّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ ( الأحزاب ٣٩ ) وكذلك قوله تعالى مُّنتَظِرُونَ ياأَيُّهَا النَّبِى ّ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ( الأحزاب ١ ) وهذا الوجه مناسب لأن الآية لبيان تباين الفريقين وهذا يحقق ذلك من حيث إن المنافق كان يخشى الناس وهم الفريقان المؤمنون والكافرون فكان يتردد بينهما ويرضي الفريقين ويسخط الله فقال الله تعالى المؤمن المهتدي بخلاف المنافق حيث علم ذاك ولم يعلم ذلك واتقى الله لا غير واتقى ذلك غير الله
فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَة َ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَة ً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ
يعني الكافرون والمنافقون لا ينظرون إلا الساعة وذلك لأن البراهين قد صحت والأمور قد اتضحت وهم لم يؤمنوا فلا يتوقع منهم الإيمان إلا عند قيام الساعة وهو من قبيل بدل الاشتمال على تقدير لا ينظرون


الصفحة التالية
Icon