إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ
إشارة إلى أهل الكتاب الذي تبين لهم الحق في التوراة بنعت محمد ( ﷺ ) وبعثه وارتدوا أو إلى كل من ظهرت له الدلائل وسمعها ولم يؤمن وهم جماعة منعهم حب الرياسة عن اتباع محمد عليه السلام وكانوا يعلمون أنه الحق الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ سهل لهم وَأَمْلَى لَهُمْ يعني قالوا نعيش أياماً ثم نؤمن به وقرىء وَأَمْلَى لَهُمْ فإن قيل الإملاء والإمهال وحد الآجال لا يكون إلا من الله فكيف يصح قراءة من قرأ وَأَمْلَى لَهُمْ فإن المملي حينئذ يكون هو الشيطان نقول الجواب عنه من وجهين أحدهما جاز أن يكون المراد وَأَمْلَى لَهُمْ الله فيقف على سَوَّلَ لَهُمْ وثانيها هو أن المسول أيضاً ليس هو الشيطان وإنما أسند إليه من حيث إن الله قدر على يده ولسانه ذلك فذلك الشيطان يمليهم ويقول لهم في آجالكم فسحة فتمتعوا برياستكم ثم في آخر الأمر تؤمنون وقرىء وَأَمْلَى لَهُمْ بفتح الياء وضم الهمزة على البناء للمفعول
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ الاٌّ مْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ
قال بعض المفسرين ذلك إشارة إلى الإملاء أي ذلك الإملاء بسبب أنهم قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ وهو اختيار الواحدي وقال بعضهم ذالِكَ إشارة إلى التسويل ويحتمل أن يقال ذلك الارتداد بسبب أنهم قالوا سَنُطِيعُكُمْ وذلك لأنا نبين أن قوله سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ الاْمْرِ هو أنهم قالوا نوافقكم على أن محمداً ليس بمرسل وإنما هو كاذب ولكن لا نوافقكم في إنكار الرسالة والحشر والإشراك بالله من الأصنام ومن لم يؤمن بمحمد ( ﷺ ) فهو كافر وإن آمن بغيره لا بل من لم يؤمن بمحمد ( ﷺ ) لا يؤمن بالله ولا برسله ولا بالحشر لأن الله كما أخبر عن الحشر وهو جائز أخبر عن نبوّة محمد عليه الصلاة والسلام وهي جائزة فإذا لم يصدق الله في شيء لا ينفي الكذب بقول الله في غيره فلا يكون مصدقاً موقناً بالحشر ولا برسالة أحد من الأنبياء لأن طريق معرفتهم واحد والمراد من الذين كرهوا ما نزل الله هم المشركون والمنافقون وقيل المراد اليهود فإن أهل مكة قالوا لهم نوافقكم في إخراج محمد وقتله وقتال أصحابه والأول أصح لأن قوله كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ لو كان مسنداً إلى أهل الكتاب لكان مخصوصاً ببعض ما أنزل الله وإن قلنا بأنه مسند إلى المشركين يكون عاماً لأنهم كرهوا ما نزل الله وكذبوا الرسل بأسرهم وأنكروا الرسالة رأساً وقوله سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ الاْمْرِ يعني فيما يتعلق بمحمد من الإيمان به فلا نؤمن والتكذيب به فنكذبه كما تكذبونه والقتال معه وأما الإشراك بالله واتخاذ الأنداد له من الأصنام وإنكار الحشر والنبوة فلا وقوله وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ قال أكثرهم المراد منه هو أنهم قالوا ذلك سراً فأفشاه الله وأظهره لنبيه عليه الصلاة والسلام والأظهر أن يقال وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ وهو ما في قلوبهم من العلم بصدق محمد عليه