فكان المؤمنون يرون ضعف أنفسهم وقلتهم مع كثرة الكفار وشوكتهم وكان يقع في نفس بعضهم أنهم كيف يكون لهم الغلبة فقال إن الله معكم لا يبقى لكم شك ولا ارتياب في أن الغلبة لكم وهذا كقوله تعالى لاَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى ( المجادلة ٢١ ) وقوله وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ( الصافات ٢٧٣ ) وقوله وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وعد آخر وذلك لأن الله لما قال إن الله معكم كان فيه أن النصرة بالله لا بكم فكان القائل يقول لم يصدر مني عمل له اعتبار فلا أستحق تعظيماً فقال هو ينصركم ومع ذلك لا ينقص من أعمالكم شيئاً ويجعل كأن النصرة جعلت بكم ومنكم فكأنكم مستقلون في ذلك ويعطيكم أجر المستبد والترة النقص ومنه الموتر كأنه نقص منه ما يشفعه ويقول عند القتال إن قتل من الكافرين أحد فقد وتروا في أهلهم وعملهم حيث نقص عددهم وضاع عملهم والمؤمن إن قتل فإنما ينقص من عدده ولم ينقص من عمله وكيف ولم ينقص من عدده أيضاً فإنه حي مرزوق فرح بما هو إليه مسوق
إِنَّمَا الْحَيَواة ُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْألْكُمْ أَمْوَالَكُمْ
زيادة في التسلية يعني كيف تمنعك الدنيا من طلب الآخرة بالجهاد وهي لا تفوتك لكونك منصوراً غالباً وإن فاتتك فعملك غير موتر فكيف وما يفوتك فإن فات فائت ولم يعوض لا ينبغي لك أن تلتفت إليها لكونها لعباً ولهواً وقد ذكرنا في اللعب واللهو مراراً أن اللعب ما تشتغل به ولا يكون فيه ضرورة في الحال ولا منفعة في المآل ثم إن استعمله الإنسان ولم يشتغله عن غيره ولم يثنه عن أشغاله المهمة فهو لعب وإن شغله ودهشه عن مهماته فهو لهو ولهذا يقال ملاهي لآلات الملاهي لأنها مشغلة عن الغير ويقال لما دونه لعب كاللعب بالشطرنج والحمام وقد ذكرنا ذلك غير مرة وقوله وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ إعادة للوعد والإضافة للتعريف أي الأجر الذي وعدكم بقوله أَجْرٌ كَرِيمٌ ( ي س ١١ ) وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ( هود ١١ ) وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ( آل عمران ١٧٢ ) وقوله وَلاَ يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ يحتمل وجوهاً أحدها أن الجهاد لا بد له من إنفاق فلو قال قائل أنا لا أنفق مالي فيقال له الله لا يسئلكم ظمالكم في الجهات المعينة من الزكاة والغنيمة وأموال المصالح فيها تحتاجون إليه من المال لا تراعون بإخراجه وثانيها الأموال لله وهي في أيديكم عارية وقد طلب منكم أو أجاز لكم في صرفها في جهة الجهاد فلا معنى لبخلكم بماله وإلى هذا إشارة بقوله تعالى وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ( الحديد ١٠ ) أي الكل لله وثالثها لا يسألكم أموالكم كلها وإنما يسألكم شيئاً يسيراً منها وهو ربع العشر وهو قليل جداً لأن العشر هو الجزء الأقل إذ ليس دونه جزء وليس اسماً مفرداً وأما الجزء من أحد عشر ومن إثنى عشر و ( إلى ) مائة جزء لما لم يكن ملتفتاً إليه لم يوضع له اسم مفرد
ثم إن الله تعالى لم يوجب ذلك في رأس المال بل أوجب ذلك في الربح الذي هو من فضل الله