المس لذكر اللفظ الذي يستحسن وكيف وقد قال تعالى وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ( البقرة ٢٣٧ ) وقال فَاعْتَزِلُواْ ( البقرة ٢٢٢ ) ولم يصرح بلفظ موضوع للوطء فإن قيل فما ذكرتم من الإشكال باق وهو أنه تعالى كنى عن الوطء في الدنيا باللمس كما في قوله تعالى أَوْ لَامَسْتُمُ النّسَاء ( النساء ٤٣ ) على الصحيح في تفسير الآية وسنذكره وإن كان على خلاف قول إمامنا الشافعي رضي الله عنه وبالمس في قوله مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ( البقرة ٢٣٧ ) ولم يذكر المس في الآخرة بطريق الكناية نقول إنما ذكر الجماع الدنيا بالكناية لما أنه في الدنيا قضاء للشهوة وأنه يضعف البدن ويمنع من العبادة وهو في بعض الأوقات قبحه كقبح شرب الخمر وفي بعض الأوقات هو كالأكل الكثير وفي الآخرة مجرد عن وجوه القبح وكيف لا والخمر في الجنة معدودة من اللذات وأكلها وشربها دائم إلى غير ذلك فالله تعالى ذكره في الدنيا بلفظ مجازي مستور في غاية الخفاء بالكناية إشارة إلى قبحه وفي الآخرة ذكره بأقرب الألفاظ إلى التصريح أو بلفظ صريح لأن الطمث أدل من الجماع والوقاع لأنهما من الجمع والوقوع إشارة إلى خلوه عن وجوه القبح
المسألة السابعة ما الفائدة في كلمة قَبْلَهُمْ قلنا لو قال لم يطمثهن إنس ولا جان يكون نفياً لطمث المؤمن إياهن وليس كذلك
المسألة الثامنة ما الفائدة في ذكر الجان مع أن الجان لا يجامع نقول ليس كذلك بل الجن لهم أولاد وذريات وإنما الخلاف في أنهم هل يواقعون الإنس أم لا والمشهور أنهم يواقعون وإلا لما كان في الجنة أحساب ولا أنساب فكأن مواقعة الإنس إياهن كمواقعة الجن من حيث الإشارة إلى نفيها
ثم قال تعالى
كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ فَبِأَى ِّ ءَالا ءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
وهذا التشبيه فيه وجهان أحدهما تشبيه بصفائهما وثانيهما بحسن بياض اللؤلؤ وحمرة الياقوت والمرجان صغار اللؤلؤ وهي أشد بياضاً وضياء من الكبار بكثير فإن قلنا إن التشبيه لبيان صفائهن فنقول فيه لطيفة هي أن قوله تعالى قَاصِراتُ الطَّرْفِ إشارة إلى خلوصهن عن القبائح وقوله كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ إشارة إلى صفائهن في الجنة فأول ما بدأ بالعقليات وختم بالحسيات كما قلنا إن التشبيه لبيان مشابهة جسمهن بالياقوت والمرجان في الحمرة والبياض فكذلك القول فيه حيث قدم بيان العفة على بيان الحسن ولا يبعد أن يقال هو مؤكد لما مضى لأنهن لما كن قاصرات الطرف ممتنعات عن الاجتماع بالإنس والجن لم يطمثهن فهن كالياقوت الذي يكون في معدنه والمرجان المصون في صدفه لا يكون قد مسه يد لامس وقد بينا مرة أخرى في قوله تعالى كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ أن ( كأن ) الداخلة على المشبه به لا تفيد من التأكيد ما تفيده الداخلة على المشبه فإذا قلت زيد كالأسد كان معناه زيد يشبه الأسد وإذا قلت كأن زيداً الأسد فمعناه يشبه أن زيداً هو الأسد حقيقة لكن قولنا زيد يشبه الأسد ليس فيه مبالغة عظيمة فإنه يشبهه في أنهما حيوانان وجسمان وغير ذلك وقولنا زيد يشبه لا يمكن حمله على الحقيقة أما من حيث اللفظ فنقول إذا دخلت الكاف على المشبه به وقيل إن زيداً كالأسد عملت الكاف في الأسد عملاً لفظياً والعمل اللفظي مع العمل المعنوي فكأن الأسد عمل به عمل حتى صار زيداً وإذا قلت كأن زيداً الأسد تركت الأسد على


الصفحة التالية
Icon