إعرابه فإذن هو متروك على حاله وحقيقته وزيد يشبه به في تلك الحال ولا شك في أن زيداً إذا شبه بأسد هو على حاله باق يكون أقوى مما إذا شبه بأسد لم يبق على حاله وكأن من قال زيد كالأسد نزل الأسد عن درجته فساواه زيد ومن قال كأن زيداً الأسد رفع زيداً عن درجته حتى ساوى الأسد وهذا تدقيق لطيف
ثم قال تعالى
هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ فَبِأَى ِّ ءَالا ءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
وفيه وجوه كثيرة حتى قيل إن في القرآن ثلاث آيات في كل آية منها مائة قول الأولى قوله تعالى فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ ( البقرة ١٥٢ ) الثانية قوله تعالى ءانٍ عُدتُّمْ عُدْنَا ( الإسراء ٨ ) الثالثة قوله تعالى هَلْ جَزَاء الإحْسَانِ إِلاَّ الإحْسَانُ ولنذكر الأشهر منها والأقرب أما الأشهر فوجوه أحدها هل جزاء التوحيد غير الجنة أي جزاء من قال لا إله إلا الله إدخال الجنة ثانيها هل جزاء الإحسان في الدنيا إلا الإحسان في الآخرة ثالثها هل جزاء من أحسن إليكم في الدنيا بالنعم وفي العقبى بالنعيم إلا أن تحسنوا إليه بالعبادة والتقوى وأما الأقرب فإنه عام فجزاء كل من أحسن إلى غيره أن يحسن هو إليه أيضاً ولنذكر تحقيق القول فيه وترجع الوجوه كلها إلى ذلك فنقول الإحسان يستعمل في ثلاث معان أحدها إثبات الحسن وإيجاده قال تعالى فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ( غافر ٦٤ ) وقال تعالى الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَى ْء خَلَقَهُ ( السجدة ٧ ) ثانيها الإتيان بالحسن كالإظراف والإغراب للإتيان بالظريف والغريب قال تعالى مَن جَاء بِالْحَسَنَة ِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ( الأنعام ١٦٠ ) ثالثها يقال فلان لا يحسن الكتابة ولا يحسن الفاتحة أي لا يعلمهما والظاهر أن الأصل في الإحسان الوجهان الأولان والثالث مأخوذ منهما وهذا لا يفهم إلا بقرينة الاستعمال مما يغلب على الظن إرادة العلم إذا علمت هذا فنقول يمكن حمل الإحسان في الموضعين على معنى متحد من المعنيين ويمكن حمله فيهما على معنيين مختلفين أما الأول فنقول هَلْ جَزَاء الإحْسَانِ أي هل جزاء من أتى بالفعل الحسن إلا أن يؤتى في مقابلته بفعل حسن لكن الفعل الحسن من العبد ليس كل ما يستحسنه هو بل الحسن هو ما استحسنه الله منه فإن الفاسق ربما يكون الفسق في نظره حسناً وليس بحسن بل الحسن ما طلبه الله منه كذلك الحسن من الله هو كل ما يأتي به مما يطلبه العبد كما أتى العبد بما يطلبه الله تعالى منه وإليه الإشارة بقوله تعالى وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الاْنْفُسُ وَتَلَذُّ الاْعْيُنُ ( الزخرف ٧١ ) وقوله تعالى وَهُمْ فِيمَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ( الأنبياء ١٠٢ ) وقال تعالى لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى ( يونس ٢٦ ) أي ما هو حسن عندهم وأما الثاني فنقول هل جزاء من أثبت الحسن في عمله في الدنيا إلا أن يثبت الله الحسن فيه وفي أحواله في الدارين وبالعكس هل جزاء من أثبت الحسن فينا وفي صورنا وأحوالنا إلا أن نثبت الحسن فيه أيضاً لكن إثبات الحسن في الله تعالى محال فإثبات الحسن أيضاً في أنفسنا وأفعالنا فنحسن أنفسنا بعبادة حضرة الله تعالى وأفعالنا بالتوجه إليه وأحوال باطننا بمعرفته تعالى وإلى هذا رجعت الإشارة وورد في الأخبار من حسن وجوه المؤمنين وقبح وجوه الكافرين وأما الوجه الثالث وهو الحمل على المعنيين فهو أن تقول على جزاء من أتى بالفعل الحسن إلا أن يثبت الله فيه الحسن وفي جميع أحواله فيجعل وجهه حسناً وحاله حسناً ثم فيه لطائف
اللطيفة الأولى هذه إشارة إلى رفع التكليف عن العوام في الآخرة وتوجيه التكليف على الخواص فيها أما الأول فلأنه تعالى لما قال هَلْ جَزَاء الإحْسَانِ إِلاَّ الإحْسَانُ والمؤمن لا شك في أنه يثاب


الصفحة التالية
Icon