بالجنة فيكون له من الله الإحسان جزاء له ومن جازى عبداً على عمله لا يأمره بشكره ولأن التكليف لو بقي في الآخرة فلو ترك العبد القيام بالتكليف لاستحق العقاب والعقاب ترك الإحسان لأن العبد لما عبد الله في الدنيا ما دام وبقي يليق بكرمه تعالى أن يحسن إليه في الآخرة ما دام وبقي فلا عقاب على تركه بلا تكليف وأما الثاني فنقول خاصة الله تعالى عبدنا الله تعالى في الدنيا لنعم قد سبقت له علينا فهذا الذي أعطانا الله تعالى ابتداء نعمة وإحسان جديد فله علينا شكره فيقولون الحمد لله ويذكرون الله ويثنون عليه فيكون نفس الإحسان من الله تعالى في حقهم سبباً لقيامهم بشكره فيعرضون هم على أنفسهم عبادته تعالى فيكون لهم بأدنى عبادة شغل شاغل عن الحور والقصور والأكل والشرب فلا يأكلون ولا يشربون ولا يتنابذون ولا يلعبون فيكون حالهم كحال الملائكة في يومنا هذا لا يتناكحون ولا يلعبون فلا يكون ذلك تكليفاً مثل هذه التكاليف الشاقة وإنما يكون ذلك لذة زائدة على كل لذة في غيرها
اللطيفة الثانية هذه الآية تدل على أن العبد محكم في الآخرة كما قال تعالى لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَة ٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ ( يس ٥٧ ) وذلك لأنا بينا أن الإحسان هو الإتيان بما هو حسن عند من أتى بالإحسان لكن الله لما طلب منا العبادة طلب كما أراد فأتى به المؤمن كما طلب منه فصار محسناً فهذا يقتضي أن يحسن الله إلى عبده ويأتي بما هو حسن عنده وهو ما يطلبه كما يريد فكأنه قال هَلْ جَزَاء الإحْسَانِ أي هل جزاء من أتى بما طلبته منه على حسب إرادتي إلا أن يؤتى بما طلبه مني على حسب إرادته لكن الإرادة متعلقة بالرؤية فيجب بحكم الوعد أن تكون هذه آية دالة على الرؤية البلكفية
اللطيفة الثالثة هذه الآية تدل على أن كل ما يفرضه الإنسان من أنواع الإحسان من الله تعالى فهو دون الإحسان الذي وعد الله تعالى به لأن الكريم إذا قال للفقير افعل كذا ولك كذا ديناراً وقال لغيره افعل كذا على أن أحسن إليك يكون رجاء من لم يعين له أجراً أكثر من رجاء من عين له هذا إذا كان الكريم في غاية الكرم ونهاية الغنى إذا ثبت هذا فالله تعالى قال جزاء من أحسن إلى أن أحسن إليه بما يغبط به وأوصل إليه فوق ما يشتهيه فالذي يعطي الله فوق ما يرجوه وذلك على وفق كرمه وإفضاله
ثم قال تعالى
وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ فَبِأَى ِّ ءَالا ءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُدْهَآمَّتَانِ فَبِأَى ِّ ءَالا ءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ فَبِأَى ءَالا ءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
لما ذكر الجزاء ذكر بعده مثله وهو جنتان أخريان وهذا كقوله تعالى لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَة ٌ ( يونس ٢٦ ) وفي قوله تعالى دُونِهِمَا وجهان أحدهما دونهما في الشرف وهو ما اختاره صاحب الكشاف وقال قوله مُدْهَامَّتَانِ مع قوله في الأوليين ذَوَاتَا أَفْنَانٍ ( الرحمن ٤٨ ) وقوله في هذه عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ مع قوله في الأوليين عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ ( الرحمن ٥٠ ) لأن النضخ دون الجري وقوله في الأولين مِن كُلّ فَاكِهَة ٍ زَوْجَانِ ( الرحمن ٥٢ ) مع قوله في هاتين فَاكِهَة ٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ( الرحمن ٦٨ ) وقوله في الأوليين فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ حيث ترك ذكر الظهائر لعلوها ورفعتها وعدم إدراك العقول إياها مع قوله في هاتين رَفْرَفٍ خُضْرٍ ( الرحمن ٧٦ ) دليل عليه ولقائل أن يقول هذا ضعيف لأن عطايا الله في الآخرة