الشهوانية ففساد القوة الناطقة هو الكفر والبدعة وما يشبههما وفساد القوة الغضبية هو القتل والغضب وما يشبههما وفساد القوة الشهوانية هو الزنا واللواط والسحق وما أشبهها وأخس هذه القوى الثلاثة القوة الشهوانية فلا جرم كان فسادها أخس أنواع الفساد فلهذا السبب خص هذا العمل بالفاحشة والله أعلم بمراده
المسألة الثالثة في المراد بقوله وَاللَاتِى يَأْتِينَ الْفَاحِشَة َ مِن نّسَائِكُمْ قولان الأول المراد منه الزنا وذلك لأن المرأة إذا نسبت إلى الزنا فلا سبيل لأحد عليها إلا بأن يشهد أربعة رجال مسلمون على أنها ارتكبت الزنا فاذا شهدوا عليها أمسكت في بيت محبوسة إلى أن تموت أو يجعل الله لهن سبيلا وهذا قول جمهور المفسرين
والقول الثاني وهو اختيار أبي مسلم الأصفهاني أن المراد بقوله وَاللَاتِى يَأْتِينَ الْفَاحِشَة َ السحاقات وحدهن الحبس إلى الموت وبقوله وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ ( النساء ١٦ ) أهل اللواط وحدهما الأذى بالقول والفعل والمراد بالآية المذكورة في سورة النور الزنا بين الرجل والمرأة وحده في البكر الجلد وفي المحصن الرجم واحتج ابو مسلم عليه بوجوه الأول أن قوله وَاللَاتِى يَأْتِينَ الْفَاحِشَة َ مِن نّسَائِكُمْ مخصوص بالنسوان وقوله وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ مخصوص بالرجال لأن قوله وَاللَّذَانَ تثنية الذكور
فان قيل لم لا يجوز أن يكون المراد بقوله وَاللَّذَانَ الذكر والأنثى إلا أنه غلب لفظ المذكر
قلنا لو كان كذلك لما أفرد ذكر النساء من قبل فلما أفرد ذكرهن ثم ذكر بعد قوله وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ سقط هذا الاحتمال الثاني هو أن على هذا التقدير لا يحتاج إلى التزام النسخ في شيء من الآيات بل يكون حكم كل واحدة منها باقيا مقرراً وعلى التقدير الذي ذكرتم يحتاج إلى التزام النسخ فكان هذا القول أولى والثالث أن على الوجه الذي ذكرتم يكون قوله وَاللَاتِى يَأْتِينَ الْفَاحِشَة َ في الزنا وقوله وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ يكون أيضا في الزنا فيفضي إلى تكرار الشيء الواحد في الموضع الواحد مرتين وإنه قبيح وعلى الوجه الذي قلناه لا يفضي إلى ذلك فكان أولى الرابع أن القائلين بأن هذه الآية نزلت في الزنا فسروا قوله أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً بالرجم والجلد والتغريب وهذا لا يصح لأن هذه الأشياء تكون عليهن لا لهن قال تعالى لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ( البقرة ٢٨٦ ) وأما نحن فانا نفسر ذلك بأن يسهل الله لها قضاء الشهوة بطريق النكاح ثم قال أبو مسلم ومما يدل على صحة ما ذكرناه قوله ( ﷺ ) ( إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان ) واحتجوا على إبطال كلام أبي مسلم بوجوه الأول أن هذا قول لم يقله أحد من المفسرين المتقدمين فكان باطلا والثاني أنه روي في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال ( قد جعل الله لهن سبيلا الثيب ترجم والبكر تجلد ) وهذا يدل على أن هذه الآية نازلة في حق الزناة الثالث أن الصحابة اختلفوا في أحكام اللواط ولم يتمسك أحد منهم بهذه الآية فعدم تمسكهم بها مع شدة احتياجهم إلى نص يدل على هذا الحكم من أقوى الدلائل على أن هذه الآية ليست في اللواطة
والجواب عن الأول أن هذا اجماع ممنوع فلقد قال بهذا القول مجاهد وهو من أكابر المفسرين ولأنا بينا في أصول الفقه أن استنباط تأويل جديد في الآية لم يذكره المتقدمون جائز