فالجواب : لعل المراد أنهم يكونون من وقت الحشر إلى وقت الحضور في الموقف على هذه الحال، وذلك يوجب مزيد ذلهم.
قوله :« جِثِيًّا » حال مقدرة من مفعول « لنُحْضرنَّهُمْ ». و « جِثِيًّا » جمع جاثٍ جمع على فعول، نحو قَاعد وقُعُود، وجَالس وجُلوس، وفي لامه لغتان :
أحدهما : الواو.
والأخرى : الياء.
يقال : جَثَا يَجْثُو جُثُوًّا، وجَثَا يَجْثِي جِثِيًّا.
فعلى التقدير الأول : يكون أصله جُثُوو. بواوين الأولى زائدة علامة للجمع والثانية لام الكلمة، ثم أعلت إعلال عِصِيّ ودليّ، وتقدم تحقيقه في « عِتيًّا ».
وعلى الثاني يكون الأصل : جُثُوياً، فأعل إعلال هيِّن وميِّت.
وعن ابن عباس : أنه بمعنى جماعات جماعات، جمع جثْوة، وهوالمجموع من التراب والحجارة، وفي صحته عنه نظر من حيث إنَّ فعلهُ لا يجمع على فعول. ويجوز في « جِثِيًّا » أن يكون مصدراً على فعول، وأصله كما تقدم في حال كونه جمعاً، إمَّا جُثُوو، وإمَّا جُثُوي.
وقد تقدم أنَّ الأخوين يكسران فاءه، والباقون يضمونها.
والجثوّ : القعود على الركب.
قوله :﴿ ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ ﴾ أي : ليخرجن من كل أمة وأهل دين من الكفار والشيعة فعلة كفرقة : ومنه الطائفة التي شاعت، أي : تبعت غاوياً من الغواة.
قال تعالى :﴿ إِنَّ الذين فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً ﴾ [ الأنعام : ١٥٩ ]. والمعنى : أنه -تعالى- يحضرهم أولاً حول جهنم، ثم يميز البعض من البعض، فمن كان منهم أشد تمرداً في كفره خص بعذاب عظيم، لأنَّ عذاب الضال المضل يجب أن يكون فوق عذاب من يضل تبعاً لغيره، وليس عذاب من يتمرد ويتجبر كعذاب المقلد، ومعنى الآية : أنه ينزع من كل فرقة من كان أشد عتياًّ وتمرداً ليعلم أنَّ عذابه أشد وفائدة هذا التمييز التخصيص « بشدة العذاب لا التخصيص » بأصل العذاب، فلذلك قال في جميعهم :﴿ ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بالذين هُمْ أولى بِهَا صِلِيّاً ﴾ ولا يقال :« أوْلَى » إلا مع اشتراكهم في العذاب.
قوله :﴿ أَيُّهُمْ أَشَدُّ ﴾ فيه أقوال كثيرة، أظهرها عند جمهور المعربين، وهو مذهب سيبويه : أنَّ « أيُّهُمْ » موصولة بمعنى « الذي »، وأنَّ حركتها حركة بناء، بنيت عند سيبويه لخروجها عن النظائر.
و « أشَدُّ » خبر مبتدأ مضمر، والجملة صلة ل « أيُّهُمْ »، و « أيُّّهُمْ » وصلتها في محل نصب مفعولاً بها بقوله :« لنَنْزِعَنَّ ».
و ل « أيّ » أحوال الأربعة : إحداها تبني فيها، وهي كما في هذه الآية أن تضاف ويحذف صدر صلتها، ومثله قول الآخر :

٣٦١٦- إذَا ما أتَيْتَ بَنِي مَالِكٍ فَسَلِّمْ عَلَى أيُّهثمْ أفْضَلُ
بضم « أيُّهُمْ ». وتفاصيلها مقررة في كتب النحو.


الصفحة التالية
Icon