وقوله : والواو تقتضيه. يدلُّ على أنها عنده واو القسم، ولا يذهب نَحْوِي إلى أنَّ مثل هذه الواو واو القسم، لأنَّهُ يلزم عن ذلك حذف المجرور وإبقاء الجاء، ولا يجوز بذلك إلا أن وقع في شعر أو نادر كلام بشرط أن تقوم صفة المحذوف مقامه، كما أولوا في قولهم : نِعْمَ السًّيْرُ على بِئْسَ العيرُ. أي : على عير بئس العير، وقول الشاعر :
٣٦١٨- واللهِ مَا لَيْلِي بِنَامَ صَاحِبُهْ... أي : بِلَيْل نام صاحبه، وهذه الآية ليست من هذا الضرب، إذ لم يحذف المقسم « به » وقامت صفته مقامه. و « إنْ » حرف نفي، « و » مِنْكُم « صفة لمحذوف تقديره : وإن أحد منكم » ويجوز أن يكون التقدير : وإن منكم إلاَّ من هو واردها وقد تقدم لذلك نظائر. والخطاب في قوله :: مِنْكُمْ « يحتمل الالتفات وعدمه.
قال الزمخشري : التفات إلى الإنسان، ويعضده قراءة ابن مسعود وعكرمة، » وإنْ مِنْهُمْ « أو خطاب للناس من غير التفات إلى المذكور.
والحَتْمُ : القضاءُ، والوجوب حَتْم، أي : أوجبه حتماص، ثم يطلق الحتم على الأمر المحتوم كقوله تعالى :﴿ هذا خَلْقُ الله ﴾ [ لقمان : ١١ ]، وهذا درهمٌ ضرب الأمير. و » على ربِّك « متعلق ب » حَتْم «، لأنَّه في معنى اسم المفعول ولذلك وصفه ب » مَقْضِيًّا «.
فصل
المعنى : وما منكم إلا واردها، والورود هو موافاة المكان. وقيل القسم فيه مضمر، أي : والله ما منكم من أحد إلا واردها. واختلفوا في معنى الورود هنا فقال ابن عباس والأكثرون : الورود ههنا هو الدخول، والكناية راجعة إلى النار، وقالوا : يدخلها البر والفاجر، ثم ينجي الله المتقين فيخرجهم منها، ويدلُّ على أنَّ الورود هو الدخول قوله تعالى :﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ النار ﴾ [ هود : ٩٨ ].
روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار أنَّ نافع بن الأزرق مارى ابن عباس في الورود فقال ابن عباس : هو الدخول. وقال نافع : ليس الورود الدخول، فتلى ابن عباس ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ أدخلها هؤلاء أم لا؟ ثم قال : يا نافع أما والله أنا وأنت سنردها، وأنا أرجو أن يخرجني الله، وما أرى أن يخرجك منها بتكذيبك.
ويدلُّ عليه أيضاً قوله تعالى » ثُمَّ نُنَجِّي الذينَ اتَّقَوْا «، أي : ننجي من الواردين من اتقى، ولا يجوز أن يقول » ثُمَّ نُنجي الذين اتقول ونذر الظالمين فيها جثياً « إلاَّ والكل واردون. والأخبار المروية دل على هذا القول، وهو ما