« روي عن عبد الله بن رواحة قال : أخبر الله تعالى عن الورود ولم يخبر بالصد، فقال النبي ﷺ » يا ابن رواحة « اقرأ ما بعدها » ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا « فدلَّ على أنَّ ابن رواحة فهم من الورود الدخول، ولم ينكر عليه النبي ﷺ ذلك وعن جابر أنَّه سُئِلَ عن هذه الآية، فقال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :» الورودُ الدخولُ، ولا يبقى بردٌّ ولا فاجرٌ إلا دخلها، فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً، حتى إن للنار ضجيجاً من بردها «.
وقيل : المراد من تقدم ذكره من الكفار، فكنى عنهم أولاً كناية الغيبة ثم خاطب خطاب المشافهة. قالوا : ولا يجوز أن يدخل الناء مؤمن أبداً لقوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ والمبعد عنها لا يوصف بأنه واردها، ولو وردوا جهنم لسمعوا حسيسها.
وقوله :﴿ وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴾ [ النمل : ٨٩ ]. والمراد في قوله :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾ الحضور والرؤية لا الدخول، كقوله :﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ ﴾ [ القصص : ٢٣ ] أراد به الحضور. وقال عكرمة : الآية في الكفار يدخلونها ولا يخرجون منها.
وقال ابن مسعود :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾ يعني القيامة والكناية راجعة إليها.
وقال البغوي : والأول أصح، وعليه أهل السنة أنهم جميعاً يدخلون النار، ثم يخرج الله منها أهل الإيمان، لقوله تعالى :﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا ﴾ أي : الشرك، وهم المؤمنون، والنجاة إنما تكون مما دخلت فيه.
قوله :﴿ كَانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ أي : كان ورودكم جهنم حتماً لازماً مقضياً قضاه الله عليكم.
قوله :»
ثُمَّ نُنَجِّي «. قرأ العامة : ثُمَّ نُنَجِّي » بضم « ثُمَّ » على أنَّها العاطفة.
وقرأ علي بن أبي طالب -Bه- وابن مسعود، وابن عباس، وأبي، والجحدري ويعقوب « ثَمَّ » بفتحها على أنَّها الظرفية، ويكون منصوباً بما بعده، أي : هُناك نُنَجِّي الذين اتََّقَوا.
وقرأ الجمهور « نُنَجِّي » بضم النون الأولى وفتح الثانية وتشديد الجيم من نجَّى مضعفاً. وقرأ الكسائي والأعمش وابن محيصن « نُنَجِي » من أنْجَى.
والفعل على هاتين القراءتين مضارع.
وقرأت فرقة « نُجِّي » بنون واحدة مضمومة وجيم مشددة، وهو على هذه القراءة ماض مبني للمفعول، وكان من حق قارئها أن يفتح الياء، ولكنه سكنه تخفيفاً.
وتحتمل هذه القراءة توجيهاً آخر سيأتي في قراءة متواترة في آخر سورة الأنبياء.
وقرأ علي بن أبي طالب -أيضاً- « نُنَحِّي » بحاء مهملة من التنحية.
ومفعول « اتَّقَوْا » محذوف مراد للعلم به، أي : اتقوا الشرك والظلم.
قوله :« جِثِيًّا » إمَّا مفعول ثان إن كان « نَذَرُ » يتعدى لاثنين بمعنى أن « نترك ونصير ».


الصفحة التالية
Icon