وأظهر العامةُ الضادَ عند الشين. وأدغمها أبو عمرو فيها، لما بينهما من التقارب، لأن الضاد من أقصَى حافة اللسان والشين من وسطه. وقد استضعف جماعة من النحويين هذه الرواية واستبعدوها عن أبي عمرو - رأس الصناعة - من حيث إن الضادَ أقوى من الشين، ولا يدغم الأقوى في الأضعف وأساء الزمخشري على راويها السوسيّ. وقد أجاب الناس عنه، فقيل : وجه الإدغام أن الشين أشد استطالة من الضاد، وفيها تَفَشِّي ليس في الضاد، فقد صارت الضاد أَنْقَصَ منها، وإدغام الأنقص في الأزْيَدِ جائز، قال : ويُؤَيّد هذا أن سيبويه حكى عن بعض العرب « اطَّجَع » في « اضْطَجع »، وإذا جاز إدغامها في الطاء فإدغامها في الشين أولى.
والخصم لا يسلم جميع ما ذكر، ومستند المنع واضح.

فصل


﴿ فَإِذَا استأذنوك لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ ﴾ أمرهم ﴿ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ ﴾ بالانصراف، أي : إن شئت فأذن وإن شئت فلا تأذن، ﴿ واستغفر لَهُمُ الله ﴾ وهذا تنبيه على أن الأولى ألا يستأذنوا وإن أذن، لأن الاستغفار يكون عن ذنب. ويحتمل أن يكون أمره بالاستغفار لهم مقابلة على تمسكهم بإذن الله تعالى في الاستئذان.

فصل


قال مجاهد : قوله : فأذن لمن شئت منهم نسخت هذه الآية. وقال قتادة : نسخت هذه الآية بقوله :﴿ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ﴾ [ التوبة : ٤٣ ]. والآية تدل على أنه تعالى فوض إلى رسول الله بعض أمر الدين ليجتهد فيه رأيه.
قوله :﴿ لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرسول بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ﴾. قال سعيد بن جبير وجماعة كثيرة : لا تنادونه باسمه فتقولون : يا محمد، ولا بكنيته فتقولون : يا أبا القاسم، بل نادوه وخاطبوه بالتوقير : يا رسول الله، يا نبي الله. وعلى هذا يكون المصدر مضافاً لمفعوله. وقال المبرد والقفال : لا تجعلوا دعاءه إياكم كدعاء بعضكم لبعض فتتباطؤون كما يتباطأ بعضكم عن بعض إذا دعاه لأمر، بل يجب عليكم المبادرة لأمره، ويؤيده قوله :﴿ فَلْيَحْذَرِ الذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ﴾. وعلى هذا يكون المصدر مضافاً للفاعل.
وقال ابن عباس :« احذروا دعاء الرسول عليكم إذا أسخطتموه، فإن دعاءه موجب لنزول البلاء بكم ليس كدعاء غيره ». وروي عنه أيضاً :« لا ترفعوا أصواتكم في دعائه ». وهو المراد من قوله :﴿ إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ الله ﴾ [ الحجرات : ٣ ] وقول المبرد أقرب إلى نظم الآية. وقرأ الحسن :« نبيكم » بتقديم النون على الباء المكسورة، بعدها ياء مشددة مخفوضة مكان « بينكم » الظرف في قراءة العامة، وفيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه بدل من الرسول.
الثاني : أنه عطف بيان له، لأَنَّ النبيَّ بإضافته إلى المخاطبين صار أشهر من الرسول.
الثالث : أنه نعتٌ.
لا يقال : إنه لا يجوز لأن هذا كما قَرَّرتم أعرف، والنعت لا يكون أعرف من المنعوت بل إمَّا أقلُّ أو مساوٍ، لأنَّ الرَّسول صار علماً بالغلبة على محمد - ﷺ - فقد تساويا تعريفاً.


الصفحة التالية
Icon