و « شهداء » خبر كان، وهو جمع شاهد أو شهيد، وقد تقدم أول السورة.
قوله :« إذ حضر » إذ منصوب بشهداء على أنه ظرف لا مفعول به أي : شهداء وقت حضور الموت إياه، وحضور الموت كناية عن حضور أسبابه مقدماته؛ قال الشاعر :[ البسيط ]

٨٠٢ وَقُلْ لَهُمْ بَادِرُوا بِالعُذْرِ وَالْتَمِسُوا قَوْلاً يُبَرِّئُكُمْ إِنِّي أَنَا الْمَوْتُ
أي : أنا سببه، والمشهور نصب « يعقوب »، ورفع « الموت »، قدم المفعول اهتماماً وقرأ بعضهم بالعكس.
وقرىء :« حَضِر » بكسر الضاد، قالوا : والمضارع يَحْضُر بالضم شاذ، وكأنه من التداخل وقد تقدم.
قوله :« إذْ قَالَ »، « إذ » هذه فيها قولان :
أحدهما : بدل من الأولى، والعامل فيها، إما العامل في « إذ » الأولى إن قلنا : إن البدل لا على نية تكرار العامل، أو عامل مضمر إن قلنا بذلك.
الثاني : أنها ظرف ل « حضر ».
قوله :« مَا تَعْبُدُونَ »، ما أسم استفهام في محلّ نصب؛ لأنه مفعول مقدم بتعبدون، وهو واجب التقديم؛ لأن له صدر الكلام، وأتى ب « ما » دون « من » لأحد أربعة معانٍ.
أحدها : أن « ما » للمبهم أمره. فإذا عُلِم فُرّق ب « ما » و « مَنْ ».
[ قال الزمخشري : وكفاك دليلاً قول العلماء :« مَن » لما يعقل.
الثاني : أنها سؤال عن صفة المعبود ].
قال الزمخشري : كما تقول : ما زيد؟ تريد : أفقيه أم طبيب، أم غير ذلك من الصفات؟
الثالث : أن المعبودات في ذلك الوقت كانت غير عقلاء، كالأوثان والأصنام والشمس والقمر، فاستفهم ب « ما » التي لغير العاقل، فعرف بَنُوه ما أراد، فأجابوه عنه بالحق.
الرابع : أنه اختبرهم وامتحنهم فسألهم ب « ما » دون « من »، لئلا يَطْرُق لهم الاهتداء، فيكون كالتلقين لهم، ومقصوده الاختبار.
وأجاب ابن الخطيب بوجهين :
الاول : أن « ما » عام في كل شيء، والمعنى : أي شيء تعبدون.
والثاني : قوله :« مَا تَعْبُدُونَ » كقولك عند طلب الحد والرسم ما الإنسان؟
وقوله :« مِنْ بَعْدي » أي : بعد موتي.
قوله :﴿ قَالُواْ نَعْبُدُ إلهك وإله آبَائِكَ ﴾.
تمسّك المقَلِّدة بهذه الآية الكريمة قالوا : إن أبناء يعقوب اكتفوا بالتقليد، ولم ينكره عليهم.
والجواب : أن هذا ليس تقليداً، وإنما هو إشارة إلى ذكر الدليل على وجود الصَّانع كقوله :﴿ يَاأَيُّهَا الناس اعبدوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ والذين مِن قَبْلِكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢١ ] فهاهنا المراد من قوله :﴿ نَعْبُدُ إلهك وإله آبَائِكَ ﴾ أي : الإله الذي دلّ عليه وجودك، ووجود آبائك.

فصل في نزول هذه الآية


قال القَفَال : وفي بعض التفاسير أن يعقوب عليه السلام لما دخل « مصر » رأى أهلها يعبدن النيران والأوثان، فخاف على بنيه بعد وفاته، فقال لهم هذا القول تحريضاً لهم على التمسّك بعبادة الله تعالى.


الصفحة التالية