وحكى القاضي عن ابن عباس : أن يعقوب عليه السَّلام جميعهم إليه عند الوفاة، وهم كانوا يعبدون الأوثان والنيران، فقال : يا بني ما تبعدون من بعدي؟ قالوا : نعبد إلهك وإله آبائك.
ثم قال القاضي : هذا بعيد لوجهين :
الأول : أنهم بادروا إلى الاعتراف بالتوحيد مبادرة من تقدم منه العلم واليقين.
الثاني : أنه تعالى ذكر في الكتاب الأَسْبَاط من أولاد يعقوب، وأنهم كانوا قوماً صالحين، وذلك لا يليق بحالهم.
[ وقال عطاء : إن الله لم يقبض نبياً حتى يخبره بين الموت والحياة، فلما خير يعقوب قال : أنظرني حتى أسأل ولدي وأوصيهم؛ ففعل ذلك به، فجمع ولده وولد ولده، وقال لهم : قد حضر أجلي فما تعبدون من بعدي؟ قالوا : نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون، والعرب تسمي العم أباً كما تسمي الخالة أماً، وسيأتي الكلام على ذلك قريباً إن شاء الله تعالى ].
وقال القَفَّال : وقيل : إنما قدّم ذكر إسماعيل على إسحاق؛ لأن إسماعيل [ كان أسنّ من إسحاق ].
قوله :« وَإِلَهَ آبائِكَ » أعاد ذكر الإله، لئلا يَعْطِفَ على الضمير المجرور دون إعادة الجار، والجمهور على « آبائك ».
وقرأ الحسن ويحيى وأبو رجاء :« أبيك ».
وقرأ أُبّي :« وَإلَهَ إِبْرَاهِيمَ » فأسقط « آبائك ».
فأما قراءة الجمور فواضحة.
وفي « إبراهيم » وما بعده حينئذ ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه بدل.
والثاني : أنه عطف بيان، ومعنى البدلية فيه التفصيل.
الثالث : أنه منصوب بإضمار « أعني » فالفتحة على هذا علامة للنصب، وعلى القولين قبله علامة للجر لعدم الصَّرْف، وفيه دليل على تسمية الجَدِّ والعم أباً، فإن إبراهيم جده إسماعيل عمه، كما يطلق على الخالة أمّ، ومنه :﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ ﴾ [ يوسف : ١٠٠ ] في أحد القولين.
قال بعضهم : وهذا من باب التَّغليب، يعنى : أنه غلب الأب على غيره، وفيه نظر، فإنه قد جاء هذا الإطلاق حيث لا تثنية ولا جمع، فيغلب فيهما.
وأما قراءة « أبيك » فتحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون مفرداً غير جمع، وحينئذ فإما أن يكون واقعاً موقع الجمع أو لا، فإنْ كان واقعاً موقع الجمع، فالكلام في « إبراهيم » وما بعده كالكلام فيه على القراءة المشهورة. وإن لم يكن واقعاً موقعَهُ، بل أريد به الإفراد لفظاً ومعنى، فيكون « إبراهيم » وحده على الأوجه الثلاثة المتقدمة، ويكون إسماعيل وما بعده عطفاً على « أبيك »، أي : وإله إسماعيل.
الثاني : يكون جمع سلامة بالياء والنون، وإنما حذفت النون للإضافة، وقد جاء جمع آب على « أبُونَ » رفعاً، و « أبين » جراً ونصباً، حكاها سيبويه؛ قال الشاعر :[ المتقارب ]


الصفحة التالية
Icon