٨٠٣ فَلَمَّا تَبَيَّنَّ أصْوَاتَنَا بَكَيْنَ وَفَدَّيْنَنَا بِالأَبِينَا
ومثله :[ الوافر ]
٨٠٤ فَقُلْنَا أَسْلِمُوا إنَّا أَخُوكُمْ .....................
والكلام في إبراهيم وما بعده كالكلام فيه بعد جمع التكسير، وإسحاق : علمٌ أعجميٌّ، ويكون مصدر أسحاق، فلو سُمِّي به مذكرٌ لا نصرف، والجمع : أسحاقهٌ وأساحيق.
قال القرطبي : ولم ينصرف إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق؛ لأنَّها أعجميةٌ.
قال الكسائيُّ : وإن شِئْتَ صرفت « إسحاق »، وجعلته من السّحق، وصرفت « يعقوب » وجعلته من الطَّير.
وسمى الله تعالى كل واحد من العم والجد أباً، وبدأ بذكر الجد، ثم إسماعيل العم؛ لأنَّهُ أكبر من إسحاق.

فصل في تحرير اختلاف الفقهاء في كون الجد أباً


ذهب أبو حنيفة رضي الله عنه إلى أن الجد أب، وأسقط به الإخوة، والأخوات، وهو قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه وابن عباس وعائشة، وجماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومن التابعين، والحسن، وطاوس وعطاء.
وذهب الشافعي إلى أن الجد لا يسقط الإخوة والأخوات للأب، وهو قول عمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم وهو قول مالك، وأبي يوسف ومحمد.
واحتج أبو حنيفة رضي الله عنه بأدلة منها هذه الآية الكريمة، وأنه أطلق لفظ الأب على الجد.
فإن قيل : قد أطلقَهُ على العمِّ، وهو إسماعيل مع أنه ليس بأب اتفاقاً.
فالجواب : الأصل في الاسْتِعْمَال الحقيقة وترك العمل به في العم لدليل قام به، فيبقى في الثاني حجة.
والثاني : منها قوله تبارك وتعالى مخبراً عن يوسف :﴿ واتبعت مِلَّةَ آبآئي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ﴾ [ يوسف : ٣٨ ].
ومنها : ما روى عطاء عن ابن عباس أنَّهُ قال : من شاء لاَعَنْتُهُ عند الحجر الأسود أنّ الجدّ أب.
وقال أيضاً : ألا لا يتقي الله زيد بن ثابت يجعل ابن الابن أبناً، ولا يجعل أب الأب أباً.
واحتجَّ الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه بأدلّة.
منها :﴿ ووصى بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ ﴾ [ البقرة : ١٣٢ ] فلم يدخل يعقوب في بنيه، بل ميَّزه عنهم، فلو كان الصاعد في الأبوَّة أباً لكان النازل في النبوَّة ابناً في الحقيقة، فلما لم يكن كذلك ثبت أن الجدَّ ليس بأب [ ومنها أن الأب لا يصح نفي اسم الأبوة عنه بخلاف الجد، فعلمنا أنه حقيقة من الأب مجاز الجد ]. ولو كان الجد أباً على الحقيقة لما صح لِمَنْ مات أبُوه وجدُّه حَيٌّ أن ينفي أنَّ له أباً، كما لا يصح في الأب القريب، ولما صح ذلك علمنا أنه ليس بأب في الحقيقة.
فإن قيل : اسم الأبوة وإن حصل في الكل إلا أنَّ رُتْبَةَ الأدنى أقْرَبُ من رتبةِ الأبعد، فلذلك صح فيه النفي.
فالجواب : لوك كان الاسم حقيقة فيهما جميعاً لم يكن الترتيب في الوجود سبباً لنفي اسم الأب عنه.


الصفحة التالية
Icon