قوله :﴿ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحج ﴾ إمَّا جواب الشَّرط، وإمَّا زائدةٌ في الخبر على حسب القولين المتقدِّمين. وقرأ أبو عمرٍ وابن كثير : بتنوين « رَفَثَ » و « فُسُوقَ »، ورفعهما، وفتح « جِدَالَ ».
والباقون : بفتح الثَّلاثة.
وأبو جعفر - ويروى عن عاصم - برفع الثلاثة والتنوين.
فأمَّا قراءة الرفع ففيها وجهان :
أظهرهما : أنَّ « لا » ملغاةٌ، وما بعدها رفع بالابتداء، وسوَّغ الابتداء بالنكرة؛ تقدُّم النفي عليها، و « في الحج » خبر الأول، وحُذِفَ خبرُ الثاني، والثالث؛ لدلالةِ خبرِ الأولِ عليهما، ويجوزُ أنْ يكونَ « في الحج » خبرَ الثلاثة، ولا يجوزُ أَنْ يكونَ « في الحجِّ » خبرَ الثاني، وحُذِفَ خبرُ الأولِ، والثالث؛ لقبح مثل هذا التركيب، ولتأديته إلى الفصل.
والثاني : أن تكون « لاَ » عاملةً عمل ليس، ولعملها عمل ليس شروطٌ : تنكير الاسم، وألاَّ يتقدَّم الخبر، ولا ينتقض النفيُّ؛ فيكونُ « رَفَثَ » اسمَها، وما بعده عطْفٌ عليه، و « في الحجِّ » الخبرُ على حسب ما تقدَّم من التقادير فيما قبله.
وخرَّجه ابن عطية بهذا الوجه، وهو ضعيفٌ؛ لأنَّ إعمال « لا » عمل ليس لم يقم عليه دليل صريحٌ، وإنما أنشدوا أشياء محتملةً، أنشد سيبويه :[ مجزوء الكامل ]

٩٨٧ - مَنْ صَدَّ عَنْ نِيرَانِهَا فَأَنَّا ابْنُ قَيْسٍ لاَ بَرَاحُ
وأنشد غيره :[ الطويل ]
٩٨٨ - تَعَزَّ فَلاَ عَلَى الأَرْضِ باقيَا وَلاَ وَزَرٌ مِمَّا قَضَى اللَّهُ وَاقِيَا
وقول الآخر :[ البسيط ]
٩٨٩ - أَنْكَرْتُها بَعْدَ أَعْوَامِ مَضيْنَ لَهَا لاَ الدَّارُ دَاراً وَلاَ الجِيرَانُ جَيرَانَا
وأنشد ابن الشَّجري :[ الطويل ]
٩٩٠ - وحَلَّتْ سَوادَ القَلْبِ لاَ أَنَا بِاغِياً سِوَاهَا وَلاَ فِي حُبِّها مُتَرَاخِيَا
وللكلام على الأبيات موضعٌ غير هذا.
وأمَّا من نصب الثلاثة منونةً فتخريجها على أن تكون منصوبةً على المصدر بأفعال مقدرةٍ من لفظها، تقديره : فلا يَرْفُثُ رَفَثاً، ولا يَفُسُقُ فُسُوقاً ولا يُجَادِلُ جِدَالاً، وحينئذٍ فلا عمل ل « لا » فيما بعدها، وإنَّما هي نافيةٌ للجمل المقدرة، و « في الحجِّ » متعِّلقٌ بأيِّ المصادر الثَّلاثة شئت، على أنَّ المسألة من التنازع، ويكون هذا دليلاً على تنازع أكثر من عاملين، وقد يمكن أن يقال : إنَّ « لا » هذه هي التي للتَّبرئة على مذهب من يرى أنَّ اسمها معربٌ منصوب، وإنما حذف تنوينه؛ تخفيفاً، فرجع الأصل في هذه القراءة الشاذة كما رجع في قوله :[ الوافر ]
٩٩١ - أَلاَ رَجُلاً جَزَاهُ اللَّهُ خَيْراً ..............................
وقد تقدَّم تحريره.
وأمَّا قراءة الفتح فى الثَّلاثة فهي « لا » التي للتَّبرئة. وهل فتحة الاسم فتحة إعراب أم بناءٍ؟ فيه قولان، الجمهور على أنَّها فتحة بناءٍ، وإذا بني معها، فهل المجموع منها، ومن اسمها في موضع رفع بالابتداء، وإن كانت عاملة فى الاسم النصب على الموضع وما بعدها، ولا خبر لها؟ أو ليس المجموع فى موضع مبتدأ، بل « لاَ » عاملةٌ في الاسم النَّصب على الموضع، وما بعدها خبرٌ ل « لاَ » ؛ لأنَّها اجريت مجرى « أنَّ » فى نصب الاسم، ورفع الخبر؛ قولان :
الأول : قول سيبويه.


الصفحة التالية
Icon